هل قضاؤنا ومستقبله بخير؟
في البداية لابد من الإشارة إلى الأهمية البالغة والمكانة الحساسة التي يحظى بها القضاء، والعبء الثقيل المترتب على عاتق القضاة. إن مؤسسة القضاء في أيّ بلدٍ في العالم تعكس مدى تقدّمه وحضارته ورقيّه. وتكمن أهمية دور القضاء في ترسيخ العدالة، وسيادة القانون، ومكافحة جميع أشكال الفساد، وحماية المجتمع
ولها دور كبير في رفع مستوى الوعي لدى المواطن، وإيمانه بانتمائه لوطنه والدفاع عنه ضد أعدائه في الداخل والخارج. إن وظيفة القاضي كانت وما زالت وستبقى من أسمى الوظائف العامة وأنبلها على الإطلاق. وللأسف، فإن مؤسستنا القضائية في سورية تعاني غالباً من مشاكل كبيرة، لا بدّ من العمل بشكلٍ جدّي من أصحاب القرار لحلّ هذه المشاكل التي تخرّب وتدمّر المؤسسة القضائية.
إن القضاء في سورية كغيره من مؤسسات الدولة، يعاني من هجوم قوى الفساد عليه ومن تدخّلها السافر بشؤونه، سواء من داخل الجسم القضائي أو من خارجه. وكل ذلك لتحقيق مصالح خاصة، ما يؤدّي لإضعاف ثقة المواطن بمؤسسته القضائية، وينعكس سلباً على مصلحة الوطن والمواطن. وبالتالي تعميق الأزمة التي يعيشها بلدنا الآن. ولعلّ خير مثال على الآفات التي تنخر قضاءنا، ما جرى مؤخراً من إعلان عن إجراء مسابقة لانتقاء عدد من المحامين لتعيينهم كقضاة لصالح وزارة العدل. وما جرى خلالها من ممارسات لا ترتقي إلى مستوى كيفية انتقاء قاضٍ يحكم بين الناس بالعدل ليعيد الحقوق إلى أصحابها، وذلك بالاكتفاء بمقابلة شفهية لم تستغرق مدتها دقيقة واحدة، عبر سؤال أو سؤالين يتم توجيههما إلى المتسابق؟!
هل يمكن لاختبارٍ كهذا أن يُفضي إلى تقييم مدى كفاءة القاضي العتيد؟ إن الكثير من الدول التي تحترم نفسها والتي تعتمد نظام المسابقة في اختيار القضاة وتمكين الأكثر جدارة. تعمد إلى طرق عديدة حضارية وراقية من خلال تشكيل لجنة مؤلفة من عددٍ من القضاة المعروفين بنزاهتهم وخبراتهم العالية، وتجري الاختبارات على المتسابقين على مراحل، آخذين بعين الاعتبار مجموعة من الشروط الواجب توافرها بالمتسابق: (عدد الدعاوى التي يرافع بها المحامي فعلياً – خبرته ومستواه العلمي والقانوني والمعرفي – مستوى ثقافته العامة – سلوكه وسمعته – ضميره المهني.. إلخ).
إن ما جرى في المسابقة الأخيرة المشار إليها، وما اكتنفها من شكوك حول نزاهتها وحياديتها وتدخّل أصحاب النفوذ فيها.. يجعلنا نتساءل: أبهكذا طريقة نبني وطناً معافى؟ أم أن هناك من يريد إنتاج المزيد من الأزمات مستقبلاً من أجل تحقيق المزيد من الأرباح من خيرات هذا الوطن المعذب بسببها، سواء في حالتي الحرب أو السلم؟
هل من سامعٍ أو مجيب لهذه الصرخة إنقاذاً لمؤسستنا القضائية وصوناً لكرامة الوطن والمواطن؟