استراتيجية جديدة لدعم الصناعة السورية
إن الدول المتقدمة زراعياً هي الدول الصناعية كأمريكا وكندا واستراليا الخ... وأساس النجاح الزراعي هو في تحقيق قيم مضافة على المنتج الزراعي نتيجة التصنيع ومن الثابت هو عدم وجود دولة متقدمة زراعياً، إن لم تكن متقدمة صناعياً. والعامل الذي شل هذه الإمكانية في سورية منذ عشر سنوات هو منع التراخيص الصناعية في القرى الزراعية، ما أخرج التصنيع الزراعي خارج التنافسية لأنه غير ذي جدوى في حال النقل البعيد وكانت كارثة على الاقتصاد والمجتمع.
الإجراءات الفورية المقترحة:
1 - فتح المجال دون أية عراقيل بيروقراطية بالترخيص الصناعي لإقامة الصناعات الصغيرة والمتوسطة في جميع القرى والبلدات مع تقديم دراسة الترخيص بيئياً وصحياً ضمن المعايير القانونية حسب المواصفات القياسية السورية على ألا يتجاوز البناء ثلث مساحة الأرض وتركيب محطة معالجة للمياه المنصرفة تستخدم لري الأشجار في باقي مساحة الأرض، وهذا متاح تقنياً الآن (ليس ضرورياً أن تلتزم الدولة حالياً بتأمين الطاقة الكهربائية خاصة أنه يمكن الاعتماد على مصادر طاقة متجددة تعطى أفضليات مادية).
2 - إقرار سياسة إقراض مرنة للصناعات الصغيرة والمتوسطة الموجودة والمزمع تأسيسها بسقف لا يتجاوز عشرة ملايين ليرة سورية بضمانة المشروع نفسه ويمكن مضاعفة المبلغ في حال الشراكة مع آخرين بحيث تكون حصة كل شريك هي 10 ملايين مما يشكل الضمانة الأكبر للمصرف من الضمانات العقارية الوهمية للقروض الكبيرة.
3 - فتح باب الترخيص لإقامة حاضنات صناعية لإنشاء بيئات أعمال مناسبة من أجل تشجيع أصحاب المبادرات دون تكبد عناء إنشاء البنى التحتية التي تشكل ما يزيد عن %70 من رأسمال المشاريع ويعيق إمكانية الشباب لولوج قطاع الأعمال ما يتيح تحقيق قيم مضافة على المنتجات الزراعية تعود بالنفع على المزارعين وتسهل إمكانية ربط مئات المنتجين في القرى بأسواق التصدير وبرامج الدعم حيث تشكل هذه الحاضنات همزة الوصل المفقودة حالياً بين المنتج الزراعي وأسواق التصدير.
4 - اعتبار كل بيئة زراعية محددة بمثابة وحدة إنتاجية متكاملة يجب أن تحوي على كل وسائل دعم الانتاج من مزارع حيوان + معامل أعلاف + زراعات متممة + معامل ألبان + ورشات صيانة المعامل + الصناعة الزراعية + مداجن + توليد الطاقة الكهربائية من مخلفات الزراعة... وهذه البيئات هي مثل: الغاب، سهل الحولة، الساحل، حوران، الجزيرة الخ بحيث يكون هناك تكامل اقتصادي زراعي صناعي في كل من تلك المناطق وتأسيس مصارف وتشجيع البنوك لفتح الفروع فيها، إضافة إلى فتح الباب أمام تأسيس شركات مساهمة ضمن البيئة الإنتاجية المتكاملة لخلق حالة تكامل إنتاجي وهي حالة تحتاج للسير بها وفقا لدراسة موجودة يمكن وضعها أمام الرأي العام كما صاحب القرار.
5 - السماح باستيراد الآلات المستعملة من أي مصدر دون تعقيدات بيروقراطية، علماً بأن ما كان يتردد على لسان المسؤولين من أن هذا القرار سببه الرغبة في تحسين جودة المنتج ينتمي إلى نوع من المسؤولين ممن لا يعرفون شيئاً عن الصناعة، علماً بأن تجارة الآلات المستعملة في ألمانيا تزيد عما في سورية من آلات بعدة مرات.
6 - تطبيق خطة جديدة ومبتكرة للتشبيك الصناعي وهي تعتمد على وضع استراتيجية محبوكة لإقامة مئات المصانع في الريف السوري من أجل التصنيع الزراعي والصناعة التي تخدم الزراعة سواء بالمدخلات الزراعية كالمكننة الزراعية بأنواعها أو المخرجات التي تحقق قيما مضافة عالية على المنتج الزراعي كصناعة الألبان والكونسروة وغيرها وهو الموضوع الذي يشكل غيابه قرب المناطق الزراعية الآن العامل الأساس في فشل العمل الزراعي وتكبيد الفلاحين الخسارات المزمنة، حيث تتأرجح أسعار منتجاتهم بين ما هو أقل من الكلفة ثم أعلى من قدرة المستهلك على الشراء في الموسم اللاحق، ولذلك فلا بد من القيام بمشروع شامل يقوم على التشاركية بين الدولة من جهة، ودول أخرى كالصين وإيران يتم استجرار مئات الخطوط الصناعية الصغيرة والمتوسطة منها وإقامة الشراكات وفقاً للقانون السوري مع أصحاب الأرض على أرضهم دون تعقيدات بيروقراطية وإقامة مباني (هنكارات) بسيطة من خلال تقديم قرض صناعي لهذه الشركة الناشئة والتي يمكن أن تكون بين الجانب المقدم للآلات وصاحب الأرض أو أصحاب الأرض وتقوم جهة عامة في الحكومة فقط بتنظيم المسألة من خلال مسكها من قبل أشخاص أصحاب كفاءة وغير تقليديين ولا يخضعون لقوة العطالة اتجاه الدونية، أما القوانين والقرارات والإجراءات التي طالما سمحت بكل اقتصاد طفيلي ومنعت كل صاحب مبادرة انتاجية.
نحن نحتاج نهضة صناعية عاجلة تعيد تحريك عجلة الاقتصاد وخاصة ذلك الاقتصاد الصغير والمتوسط لمقاومة المحاولات لتحويل السوريين إلى مستقبلين للمعونات بعد أن اثبتوا انهم الشعب الأكثر إبداعاً وإنتاجاً، والأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية للعمل غير النمطي، فمن خلال مسح بسيط أجريته لريف إدلب مثلا وجدت الإمكانية لمنح كل عائلة لها قطعة أرض في الريف في أي مكان كانت مصنعاً صغيراً أو متوسطاً لعمل ما يخدم العملية الزراعية ويمكن أن يتحقق كشركة مساهمة لأصحاب الأرض ومقدم الآلات الذي سيؤمن أيضاً أسواق التصدير لتلك المنتجات فنكون أمام عملية حقيقية نعلم فيها الآخرين الصيد بدلاً من إطعامهم السمك، وليس على طريقة: اذهب أنت وربك فقاتلا!.. وإنما من خلال مسؤولية الدولة مسؤولية أبوية حقيقية عن مواطنيها من أين يعيشون، وإذا لم تعرف الحكومة ذلك فتلك مصيبة، وإذا عرفت أنهم يعتاشون على أموال الآخرين فالمصيبة أعظم، وعلى الجسم الحكومي ألا يتذرع بالقوانين والأنظمة لأننا نحن من يضع تلك التشريعات.
لقد كان للسياسات الصناعية بشكل خاص في السنوات السابقة من خلال إنشاء المدن الصناعية الأثر الأكبر في القضاء على النهضة الصناعية السورية على عكس كل ما كان الآخرون يسوقونه في الإعلام لسبب بسيط يعرفه كل صناعي سوري، وهو أن سورية بعد إنشاء وحصر الصناعة داخل المدن الصناعية الأربع قد خرجت من تصنيف التنافسية بعد أن تضاعفت كلفة فرصة العمل الواحدة عدة مرات، فكل صناعي سوري يعرف كيف انتشرت الصناعات كالفطر في ثمانينيات القرن الماضي وكسرت الحصار وأصبحت الدولة الأكثر تصنيعاً عربياً وإقليمياُ، وحوت دمشق على آلاف المصانع والورش وصدرت المنتجات إلى قلب فرنسا وسيطر صناعيونا على أسواق إفريقية وشرق أوروبية عديدة، ثم جاءت خطط (تشجيع الصناعة) للحكومات الأخيرة لتخط على الورق وشاشات الكومبيوتر مدناً صناعية نعطي للقارئ فرصة أن يقسم حجم الاستثمار فيها من بنى تحتية وتكاليف ثابتة على كم اليد العاملة المشغلة فيها ليعرف أننا تحولنا من الدول الأقل تكلفة لتأسيس فرصة العمل إلى الأكثر تكلفة من بعض دول أوروبا الغربية.
إننا بحاجة اليوم لمراجعة جادة ومسؤولة لكل السياسات الاستثمارية والصناعية ووضع سياسة إنقاذية تعمدت أن أبدأ ببعض الأفكار عنها في مقدمة المقالة وليأت الآخرون بمشاريعهم وخططهم وليس تبريراتهم.. لأن الوطن لن ينتظر أكثر!.