القطن.. والدعم المنقوص!
يستخدم اللصوص والفاسدون سحر كلمة (الدعم) لفتح أبواب المغارات المغلقة، وللمدعومين فقط، فيملؤون سلالهم وخزائنهم بكنوز الوطن، أما السواد الأعظم من المواطنين البسطاء والشرفاء من العمال والفلاحين وسائر الكادحين، فلا يحصلون إلاّ على الفُتات، أو ما يكفيهم حدّ الكفاف، كدعم الخبز والمازوت، ومع ذلك يبذلون جهودهم وينتجون ما يحمي الوطن والشعب من ويلات الطامعين فيه، وخاصةً في الزراعة والصناعة.
بفضل السياسة الاقتصادية (الاجتماعية) للطاقم الاقتصادي، والحكومة من ورائه، ومن يشاركهم في الخفاء من التجار والفاسدين الكبار وغيرهم، رُفع الدعم عن المستضعفين في الوطن، عن كثير من المكتسبات التي تحققت بعرقهم وتضحياتهم، بقرارات ارتجالية. وبقي هذا الدعم، بل زاد، للداعم والمدعوم وما بينهما، وسببت هذه السياسة كوارث اقتصادية اجتماعية للوطن والمواطن، وأدت إلى ازدياد الأغنياء غنىً، مع انخفاض أعدادهم، وازدياد الفقراء فقراً مع اتساع شرائحهم وازدياد أعدادهم، وأصبحت الهوة كبيرةً وواسعة بينهما، وبات ردمها يحتاج إلى معجزات وتضحيات كبيرة.
في الفترة الأخيرة، ونتيجة مطالبة وصراخ بعض الشرفاء، وأنين آخرين، أقرت الحكومة دعم القطن من صندوق الدعم بمبلغ 2800 ل.س للدونم المروي من الآبار، و250 ل.س للدونم المروي من المسطحات المائية، أي بالراحة، كما جاء في الزميلة البعث بعددها 14065، هذا القرار الذي يمكن التعبير عنه بالمثل القائل: «تمخض الفيل فولد نملةً».
ولو سلَّمنا بهذا القرار واعتبرنا أن هذا الثمن البخس يساوي قيمة ري الدونم، فما الذي يعوض الفلاحين عن ارتفاع أسعار السماد والبذار والفلاحة وعلف حيواناتهم وأجور العمالة الزراعية؟! وكذلك ارتفاع أسعار المواد المعيشية ومستلزمات الحياة الأخرى؟ هذا لمن بقي منهم مزارعاً واستمر على كار أهله وجدوده. أما الذين اضطروا لهَجر أراضيهم لعدم قدرتهم على الاستمرار في الزراعة، وتحولوا إلى غجرٍ أو ما يشبههم من المتسولين بعد أن جفت آبارهم ونفقت حيواناتهم، وباتوا بلا مأوى هم وأسرهم وأطفالهم الذين حرموا من أبسط حقوق الحياة الإنسانية، فمن يعوضهم عن كلّ ذلك؟!
وإذا أردنا الحديث عن بقية المحاصيل الإستراتيجية الأخرى وخططها الوهمية، وأسعار مبيعها المتدنية من الفلاح، وواقعها وما تعرضت له من أمراض وكوارث بيئية، كالقمح والشوندر والذرة الصفراء، ناهيك عن الخضار والفواكه والزيتون، وما بقي من الثروة الحيوانية ومنتجاتها التي قضى على أغلبها نقص العلف وارتفاع أسعاره، وما يثقل كاهل الفلاح من ضرائب وديون وفوائد، فإنّ حجم المأساة التي تهدد الفلاحين والزراعة والوطن والمجتمع، أصبحت بلا حدود.
إن الفلاح بحاجةٍ إلى دعم حقيقي، وتنمية مستدامة ومدروسة، وخطط سليمة وواقعية، وسياسة زراعية تضع مصلحة الفلاح والوطن والمواطن فوق كل شيء، وليست سياسة تخدم مصالح التجار وكبار الفاسدين ومن لفّ لفهم من المتنفذين والتابعين، إن الدعم المنقوص 250 ليرة هو ذرٌ للرماد في العيون حتى لا تُرى السرقات وكل الموبقات التي تُرتكَب بحق الشعب والوطن.