«معابر الذل» في حلب المنكوبة
تستمر معاناة مدينة حلب المنكوبة بالحصار والتجويع والبرد والأمراض والأوبئة والانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي وتقطع أوصالها بين طرفي الصراع المسلح الدامي، لتصيب جميع المواطنين دون تمييز في ظل تقاعس الجهات المختصة في تحمل مسؤولياتها تجاههم، وتعمق الأزمة الإنسانية فيها بشكل غير مسبوق.
لا يكفي حلب قهراً وذلاً إلا أن تضاف إلى قائمة أزماتها المتراكمة تقطع أوصالها بذهنية مناطقية ضيقة إلى شرقية وغربية، والممارسات والإجراءات البلطجية التي تطال الأهالي يومياً على معابر الذل.
وكأنه لا يكفي ما قامت به المجموعات المسلحة من قتل وإوهاب بحق المدنيين في المناطق التي سيطروا عليها حتى انتقلت العدوى إلى الضقة الأخرى، حيث يتحكم بالمعبر عناصر من بعض مسلحي «الموالاة».
بلغت ممارسات هذه العناصر من العبثية حداً لا يمكن تصوره بحجة «التدابير الأمنية الصارمة»، فيتم فرز العابرين «جماعة عاليمين وجماعة عاليسار»، وبحسب مزاجية أحدهم «الشبيح» يتم الإفراج عن إحدی المجموعتين، ليتم إجبار الأخرى على دفع ما يترتب عليها من مبلغ يتراوح بين 500 -1500 ل.س، ناهيك عن الضرب بالسياط لإجبار العابرين علی الإسراع في الجري إلى الجهة الأخرى، والشتائم وغيرها من التصرفات البلطجية الاستفزازية المهينة لكرامة المواطنين، ما يسبب ازدحاماً شديداً قد يصل إلی حد إجبار العابرين للعودة أدراجهم، وعدم السماح لهم بالعبور والذهاب إلى أماكن عملهم ومدارسهم وجامعاتهم.
وأمام الأفران أيضاً..
تجد التصرفات والممارسات البلطجية ذاتها أمام الأفران، حيث لا تفتح نافذة البيع فيها إلا بأمر هذه العناصر وبعد أن يكونوا قد أخذوا حصتهم دون اكتراث لطوابير المواطنين الممتدة منذ ساعات الصباح الأولى، ضاربين بعرض الحائط أي قيمة لحاجاتهم وساعات الانتظار الطويلة لتأمينها. ومن ذلك ما تقوم به عناصر من «كتائب البعث» المرابطة في منطقة المشارقة، حيث لا يتم بيع الخبز في فرن «المدينة» دون إذن منها ودون منح بركاتها عاكسة تصرفات مستفزة على مرأى من الجهات المعنية.
أزمة الأفران لا تتوقف عند ممارسات هذه «العناصر»، فمنذ بداية الأزمة تعامل المسؤولون في حلب مع المشكلة بحلول عرجاء، حيث تتراوح بين إقفال الأفران المخالفة وتحويل مخصصاتها إلى أفران أخرى، أو القيام بسحب تراخيص هذه الأفران وإيقافها بشكل جزئي أو تام، دون أن تردع هذه التدابير أصحاب الأفران عن تجاوزاتهم، ما يعكس عدم جدوی هذه الإجراءات في كثير من الأحيان.
التواطؤ مع السماسرة
هذه الأفران تقوم ببيع الخبز بعشرات الربطات «للسماسرة» دون الاكتراث بطوابير المنتظرين لأخذ حصتهم من قوت يومهم (ربطة خبز واحدة فقط) بسعر 45 ل.س. كما أن صاحب الفرن يقوم بزنة الربطة حسب الوزن النظامي ثم يسرق رغيفاً من كل ربطة أمام أعين المواطنين علی الملأ «كفرن الرازي مثلاً».
وفرنا الرازي والمدينة ليسا بعيدين عن أفران الشرق الأوسط، الاتحاد، الأكرمية، الأعظمية، فعلى نوافذها ترامت الطوابير منذ ساعات الصباح الأولی والتي قد لا تنتهي عند انتصاف النهار، هي محاولات صبر يائس للحصول علی رغيف الخبز.
وإن الحديث عن مشقة الحصول علی ربطة الخبز يجعل من الترف والبذخ التطرق لموضوع جودة الرغيف المتدنية التي تجعل المواطن يقبل به مضطراً مخافة الحرمان منه أو شرائه بأسعار مرتفعة من السماسرة المتواطئين مع أصحاب الأفران.
السؤال الذي يطرحه أهالي حلب المنكوبة، هل هذه هي الطريقة التي سيتم بها مواجهة الجماعات المسلحة؟!
نقطة نظام..
في الوقت الذي لا تتجاوز السلطة الفعلية لمحافظ حلب مساحة صغيرة لا تتعدى ثلث مساحة المحافظة الإجمالية، فإنه إلى الآن لم يستطع ضبط أزماتها المتراكمة والتعامل مع ممارسات الحواجز والتجاوزات المرتكبة يومياً بحق المواطنين ووضع حد لها، وبالتالي تحمل مسؤولياته المفترضة تجاههم وحمايتهم وتوفير المستلزمات المعيشية لهم وصون كرامتهم.