لغط أميركي حول قيود «الاستثمارات الصينية»... وإجراء قريب بشأن السيارات الأوروبية
فيما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس، أن حكومة الولايات المتحدة بصدد الانتهاء من دراسة بشأن زيادة رسوم استيراد السيارات القادمة من الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى قرب اتخاذ إجراء، يتوقع أن يعلن هذا الأسبوع عن المرحلة التالية من مواجهته الاقتصادية مع بكين، عبر قيود جديدة محتملة على الاستثمارات الصينية، للحد من قدرتها على الوصول إلى التقنيات الأميركية الحساسة.
وقال ترمب على «تويتر» أمس: «نضع اللمسات النهائية على دراستنا لفرض رسوم على السيارات القادمة من الاتحاد الأوروبي، الذي ظل لفترة طويلة يستغل الولايات المتحدة في شكل حواجز ورسوم تجارية. في النهاية سنصل إلى وضع متوازن، ولن يستغرق الأمر وقتا طويلا!».
وكان ترمب هدد يوم الجمعة بفرض رسوم بنسبة 20 في المائة على جميع واردات السيارات المجمعة في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد شهر من إطلاق إدارته تحقيقا فيما إذا كانت واردات السيارات تهدد الأمن القومي.
وعلى صعيد مواز، قد يعرض الإجراء الخاص بالصين شركات أميركية، على غرار «آبل» و«جنرال موتورز» إلى أشكال جديدة من «الانتقام» من قبل الصين، في وقت يعرب فيه الخبراء عن قلقهم من أن يكون ذلك بمثابة خطوة أخرى من تدخل الحكومة في السوق الحرة، في «تحول جذري» للولايات المتحدة قد يكون مدمرا بالنسبة للطرفين.
لكن التصريحات المتناقضة التي أدلى بها كبار المسؤولين الأميركيين مساء الاثنين، أثارت لغطا بشأن المسار الذي سيسلكه البيت الأبيض في هذا الملف.
وكان ترمب قد هدد بالرد على أي تحرك تتخذه الصين للانتقام من الرسوم الجمركية الأميركية التي يتوقع أن تطبق في 6 يوليو (تموز)، وبذلك يمكن أن ترتفع إلى 450 مليار دولار قيمة المنتجات الصينية الخاضعة لرسوم. وبالتوازي، يتوقع أن تكشف وزارة الخزانة الأميركية النقاب عن اقتراح يتعلق بالقيود على الاستثمار والصادرات.
وأعلن ترمب في أواخر مايو (أيار) الماضي عن خطط لفرض رسوم باهظة على المنتجات الصينية، وإتباع ذلك في 30 يونيو (حزيران) الجاري بـ«قيود محددة على الاستثمارات وتعزيز القيود على الصادرات» بالنسبة للشركات الصينية والمستثمرين في «تكنولوجيا ذات أهمية صناعية».
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن القيود الاستثمارية ستطبق كذلك على الاستثمارات في الولايات المتحدة من قبل أي شركة تملك الصين 25 في المائة من رأسمالها، مع إمكانية خفض هذه العتبة في حال اعتبر الاستثمار «حساسا». وأكدت بكين، الاثنين، أن الاستثمارات الصينية خلقت وظائف وزادت عائدات الضرائب في الولايات المتحدة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانع خلال مؤتمر صحافي إن «التجارة الصينية الأميركية والاستثمار والتعاون، هي ممارسات تثمر بطبيعتها عن منفعة متبادلة». وأضاف: «نأمل في أن تنظر الولايات المتحدة إلى الأنشطة التجارية التي تقوم بها الشركات الصينية بطريقة موضوعية، وأن توفر بيئة استثمارية منصفة وآمنة ويمكن التنبؤ بها». لكن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين أصر الاثنين على أن التقارير «أخبار كاذبة». وقال عبر «تويتر» إن «من سرب المعلومات إما لا وجود له، وإما أنه لا يعرف كثيرا عن هذا الملف».
وأضاف في تصريح يتناقض مع إعلان البيت الأبيض في 29 مايو، أن الإدارة الأميركية ستصدر بيانا «غير موجه للصين فقط؛ بل لجميع الدول التي تحاول سرقة التكنولوجيا منا».
وتراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الأميركية الاثنين بأكثر من 2 في المائة، مقارنة بقيمتها عند إغلاقها الجمعة، في وقت ظهر المستشار الاقتصادي الرفيع للبيت الأبيض بيتر نافارو على التلفاز، في محاولة لتهدئة مخاوف المستثمرين من إمكانية اندلاع حرب تجارية.
لكن مقابلته المُربكة مع «سي إن بي سي» لم تنجح كثيرا في توضيح الأمور، حيث أكد أن الإدارة الأميركية «لا تستهدف الصين تحديدا»، ومشددا على أن وزارة الخزانة ستصدر تقريرا الجمعة عن مسألة القيود الاستثمارية على الصين. وقال إن على المستثمرين أن ينظروا بتفاؤل إلى الاقتصاد الأميركي، مشيرا إلى أن مناورات ترمب التجارية الحازمة خلقت فرصا استثمارية جديدة. وقال نافارو عبر «سي إن بي سي»، إن الاقتصاد «يتجه نحو وضع رائع في الوقت الحالي... إنه حلم يتحقق».
واتهم ترمب الإدارات الأميركية السابقة باتخاذ «مواقف متساهلة» مع الصين، والسماح لها بـ«الهيمنة صناعيا»، والفشل في حماية التقنيات التي تعد حساسة.
وبإمكان الإدارة توسيع السلطات الحالية للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة التي تشرف عليها وزارة الخزانة، وكانت حجبت بعض الاستثمارات الصينية في الموانئ وأشباه الموصلات الكهربائية. وبإمكان أي تلميح عن مراجعة محتملة للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة أن يقضي على فرص أي استثمار محتمل. ويبحث الكونغرس كذلك في سبل تشديد عملية مراجعة الاستثمارات.
ووفق «مجموعة روديوم» للأبحاث، تراجعت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة بنسبة 35 في المائة في 2017 من قيمتها القياسية التي تم تسجيلها في 2016، وبلغت 45.6 مليار دولار، فوصلت إلى 1.4 مليار دولار فقط في الربع الأول من العام الجاري.
وستصعب الضوابط الجديدة على الصادرات بيع الشركات الأميركية التكنولوجيا إلى الصين، في حال اعتبرت واشنطن أنها «تكنولوجيا ذات أهمية صناعية».
وأشار مسؤولون أميركيون إلى خطة التطوير الصناعي التي وضعتها بكين تحت شعار «صنع في الصين 2025» كـ«مصدر قلق»؛ حيث أشاروا إلى أنها خريطة للهيمنة على صناعات رئيسية عالية التقنية، تشمل الفضاء والاتصالات، وصولا إلى الروبوتات والسيارات الكهربائية. ومع تصاعد حدة التوتر، يحذر خبراء التجارة من تضاؤل الخيارات المتاحة لحل النزاع.
وقال الخبير في الشأن الصيني من «معهد بيترسن للاقتصادات الدولية»، مارتن شورزيمبا، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أعتقد أن هناك مخارج قليلة للغاية متبقية للتوترات المتزايدة». وأضاف أن «هناك مخاوف بنيوية جدية بشأن الممارسات الصينية، والتي لا يمكن حلها دون وجود ثقة بين الشركاء المتفاوضين»، محذرا من أن هذه الثقة بدأت تتآكل جراء المواجهة الحالية.
وأوضح شورزيمبا أن لدى بكين «مجموعة ضخمة من الأدوات للضغط على شركات أميركية» على غرار «آبل» و«جنرال موتورز» اللتين تعتمدان على الصين بشكل كبير، تتضمن حجز المنتجات في الموانئ أو تأخير الموافقات. وأضاف أن قرار الحكومة المشاركة بشكل مباشر في القرارات الاستثمارية للشركات بذريعة الأمن القومي، يشكل «تحولا جذريا في أسلوبنا في الإدارة الاقتصادية».