«الصمود الأسطوري لرجال الأعمال الوطنيين»..
يتكرر حديث المحللين الإعلاميين بالشأن الاقتصادي، عن «سر الصمود السوري».. فبعد الاستخدام المكرر لمقولة «صمود الشعب السوري»، يصلون إلى ما يريدون قوله فعلاً، أو بالأحرى «تسويقه»، وهو دور «رجال الأعمال الوطنيين» العاملين بصمت من وراء الكواليس..
هؤلاء بحسب «المحللين»، هم من يؤمنون للبلاد حاجاتها الرئيسية، وهم من يتجاوزون الحصار، وهم من يدعمون قيمة الليرة، ولولاهم لكنا اليوم، بلا قمح، ولا سكر، ولا أرز، ولا وقود، ولم تكن الدولة لتستطيع أن تسيّر أعمالها..
ويميزون بين رجال الأعمال «الأخيار» و«الأشرار»، ليقولوا بأن الوطنيين منهم، «آثروا» البقاء في البلاد.. بينما كانوا يستطيعون أن يذهبوا بأموالهم إلى خارجها، ويعملوا هناك، كما فعل غيرهم..
فلماذا آثروا البقاء بالبلاد؟! هل هو حبهم «لدمشق وياسمينها» كما يُقال؟!
إن كنت «رجل أعمال وطني» تعمل في سورية خلال الحرب، فإنك تستطيع أن تجني معدل ربح استثنائي من استيراد الغذاء وبيعه، بأسعار تضمن فقر السوريين وجوعهم، حيث كنا قد ذكرنا، وكررنا أن أسعار الغذاء المستورد إلى سورية أعلى من الأسعار العالمية بأربع مرات وسطياً!.
كما أنك تحقق، بالإضافة إلى ذلك، ربحاً يومياً من دولاراتك، حتى إذا لم تحركها ساكناً، أما إذا شغلتها في سورية بالليرة بتكاليف منخفضة، وأسعار احتكارية تستطيع رفعها متى شئت ودون رادع، فإن الربح استثنائي وسريع أيضاً، بمقدار استثنائية وسرعة خسارة أجور السوريين لقيمتها الحقيقية، والتي أصبحت لا تكفي قوت شهر! إن كنت هذا الرجل.. فإنك لم، ولن تخرج، وإنما قد تُخرج أرباحك دورياً، كما يفعل هؤلاء، بعد أن يحولوا أرباحهم بالليرة إلى دولار ويخزونها في حسابات خارجية، فتهتز الليرة وتنخفض قيمتها، ويرتفع «الأخضر»..
يمكن لـ«رجال الأعمال الوطنيين الصامدين داخل البلاد» أن يستفيدوا أيضاً من سياسات «حماية الليرة»، فيلبوا نداء المصرف المركزي السوري عندما يقوم ببيع الدولار، ويسحبوا من خلال مؤسسات وشركات الصرافة التي لهم اليد الطولى فيها، 20 مليون دولار من السوق مثلاً، ويحققوا ربحاً من شرائها وبيعها فقط، يفوق مليار ليرة خلال يومين (وهو ما حصل فعلاً في إحدى موجات المضاربة، ويتكرر)..
وبطبيعة الحال، فلا يمكننا أن نتجاهل إسهام هؤلاء «الوطنيين» في نقل القمح، والقطن، بل والمحروقات، من المناطق الساخنة، وقدرتهم الفريدة على تمرير بضائعهم عبر مختلف المخاطر و«الحواجز» على أنواعها، ليوصلوه في نهاية المطاف للدولة «فيؤمنوا حاجات المواطنين»، ولكن بعد أن يجمعوا المواد بأسعار بخسة من المزارعين المنفيين في مناطق الخطر، ويحصلوا على «عوائد عالية» من المال العام نظراَ، «لبسالتهموجرأتهم»!.
علينا أن نتخيل أيضاً، «واحات الربح» الاستثنائية التي يمكن أن يرتع فيها هؤلاء «العابرين للحدود» كما غيرهم! والكلام هنا عن التجارة السوداء بأنواعها، انطلاقاً من التهريب وصولاً إلى كل الممنوعات، وما أكثرها في بلاد أصبحت التجارة السوداء تضع فيها أركاناً، وتحاول أن تستقر.
فهل يتورع من يربح من جوع السوريين والمضاربة على ليرتهم من الالتحاق بركب هذه السوق وأرباحها الاستثنائية الوحشية، إن استطاع إليها سبيلا! لا نعتقد ذلك..
أصبح بعض من «رجال الأعمال السوريين» قادرين على تكييف الدولة لمصلحتهم، وتهميشها كي لا تنقلب عليهم، وهذا ما يجعل كل الحكومات تشبه بعضها البعض، وهو ما يجعل التمادي مستمراً، في عدم الاستجابة للضرورات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن يقوم بها جهاز الدولة في لحظة الحرب..
إن السوريين جميعاً يعلمون، أن حيتان المال، هم أصحاب الوزن الرئيسي في ميزان السياسة الاقتصادية المنحاز، ويعلم السوريون أيضاً أن انقلاب الميزان مرتبط، بامتلاك عموم السوريين لقدرتهم على الدخول إليه متحدين في كفة واحدة تقلب الموازين على «أمراء الحرب» سواء في الداخل والخارج!.
إن تسويق هؤلاء «كرجال أعمال وطنيين» في اللحظة الراهنة، هو تكتيكهم البسيط، «لاستبدال الصنعة»، وتبييض الأموال، والدخول بحلة جديدة في المرحلة القادمة، مرحلة إعادة الإعمار.. ومقابل هذا التكتيك، فإن واحداً من أهم مبادئ المرحلة القادمة هو «محاسبة أمراء الحرب»، واستعادة الأموال المسروقة لبناء البلاد..