منذ ما قبل الخمسينيات.. اقتحام محميات البادية السورية مستمر ويكلف المليارات
نزار عادلة نزار عادلة

منذ ما قبل الخمسينيات.. اقتحام محميات البادية السورية مستمر ويكلف المليارات

تحدثت الصحف المحلية عن الخسائر الكبيرة التي تمثلت في التعدي على محمية البلعاس وقطع أشجار البطم المعمرة والتي كلفت الدولة مئات الملايين من أجل حمايتها والحفاظ عليها، كما قالت إنه تمالاعتداء على مركز المحمية ومراكز الحراس والاستراحات وتم نهبها وتعطيل عمل ورشات التشجير في البلعاس، إضافة إلى سرقة السيارات والآليات وجميع الأجهزة.

البلعاس سابقاً

مازال جيلنا يتذكر كيف كانت قوافل الصيادين والمصطافين في الخمسينيات وما قبلها من القرن الماضي، تنظم الرحلات السنوية التي تبدأ في بداية فصل الربيع والخريف لتخيم في جبل البلعاس الذييقع على بعد 95 كم شرقي مدينة حماة، كان الجبل غابة من أشجار البطم الأطلسي والسويد واللوز البري والصنوبريات، وكانت القوافل تأتي سنوياً إلى هذا الجبل من المدن السورية ومن لبنان، وكانالهدف بالإضافة إلى التمتع بالجو الصحراوي والغابة، صيد الحيوانات البرية، وأهمهاالغزلان والمها والريم والعقاب والصقور والحجل.

ماذا حدث؟.. أدى تدهور الغطاء النباتي وانخفاض كثافته إلى انقراض الحيوانات البرية كالغزلان، وذلك نتيجة الصيد الجائر، وقد رافق ذلك عمليات رعي جائر ومستمر واحتطاب وقطع الأشجار معشح في الأمطار، واختفت الغابة إلا من بعض أشجار البطم المعمرة، وانقرضت الطيور والحيوانات ولم يبق منها سوى الذئاب والضباع، رافق ذلك أيضاً تدهور التربة وانجرافها بشكل كامل وظهورالصخور على السطح مع انتشار النباتات الغازية كالحرمل والأشنيات وغيرها.

 

الصحوة المتأخرة

في العام 1958 صدر قرار بحماية منطقة البلعاس، ولكن بعد أن انتهى البلعاس، ولم تتم الحماية، وفي عام 1986 استحدث مشروع تطوير وتنمية جبل البلعاس وأخضع لقانون الحراج /66/ لعام1956، ثم عدل بقانون الضابطة الحراجية رقم /7/ لعام 1994، واتخذت إجراءات بإعادة تشجير الصنوبر والسرو، وتم إنشاء عدد من المحارس على محيط الجبل ومخفر حراجي، وتقرر إنشاء مشتلحراجي لإنتاج غراس البطم، واستصلحت الأراضي واستمرت عمليات التحريج الاصطناعي بشكل سنوي حتى وصلت إلى 2000 هكتار عام 1990.

 

محميات ولكن

عام 2003 صدر قرار وزاري رقم /19/ بتسمية جبل البلعاس محمية بيئية متعددة الأغراض، مساحتها الإجمالية /34365/ هكتاراً، وقسمت المحمية إلى ثلاث مناطق وذلك من أجل أهداف عديدة:

المحافظة على جبل البلعاس بصفته نظام غابات المناطق الجافة ضمن البادية السورية ومجتمعاً للبطم الأطلسي.

حماية الحياة البرية وتدعيمها كمصدر كبير للتنوع الوراثي.

حماية الغطاء النباتي من التدهور وإعادته إلى الحياة الطبيعية.

إجراء الدراسات والأبحاث العلمية لتفرد البلعاس بالموقع الطبوغرافي والسياحي.

وقف الاستهلاك المدمر للثروات الطبيعية والبيئية.

حماية التربة من الانجراف الريحي والمائي.

الإشراف الفني الكامل على كافة أشكال استثمار موارد الجبل بشكل يتناسب مع حماية الغطاء النباتي.

 

إجراءات ولكن

اتخذت الإجراءات التالية في المحميات:

يمنع منعاً باتاً الرعي ودخول الحيوانات غير البرية.

تمنع زراعة الأرض أو فلاحتها أو حفر الآبار وإلقاء الأتربة وإقامة المباني من  السكان أو تنفيذ أي نشاطات أخرى.

يمنع تشييد الأبنية أو نصب الخيام أو بيوت الشعر.

يمنع دخول الآليات أو الأشخاص إلا لأعمال الحماية والعاملين في إدارة المحميات والوزارة ويسمح للباحثين والدارسين بالدخول بقصد إجراء الدراسات والأبحاث بعد موافقة الوزارة ومديرية الحراج.

 

محميات نموذجية

أقيمت مجمعات لزراعة النباتات الطبية والرعوية والعطرية والتزينية.

أقيمت مواقع لتربية الحيوانات البرية.

أقيمت مباني لإدارة المحمية والنشاطات الإرشادية والتعليمية.

أقيمت مسيجات طبيعية لدراسة الغطاء النباتي.

أقيمت مجمعات وسدود سطحية.

وأقيمت محمية ثالثة كانت تشاركية مع السكان وخصصت من أجل:

تنظيم النشاطات السكانية والتشاركية وأعمال الرعي المنظم.

إقامة خزانات وسدود سطحية.

إقامة جميع الأنشطة الحراجية والمقترحة من أجل إدارة المحمية.

 

أموال هدرت

اعتبرت محمية البلعاس حسب القانون الوزاري نموذجاً للمحميات العالمية الموجودة في أوروبا وأمريكا وغيرها، وصرفت عليها الحكومة المليارات من الليرات السورية ولكن ماذا جرى لهذهالمحميات؟.. الأغنام في البادية اقتحمت المحميات، وهذه الأغنام هي لأصحاب النفوذ وحماتهم الكبار، فهم يعتبرون المحميات ملكاً لهم في حين يتعرض المربون الصغار وعبر سنوات إلى ابتزاز فيالأعلاف من خلال احتكاره من أصحاب النفوذ أيضاً، وبيعه في السوق السوداء لصغار المربين.

 

الاعتداءات القديمة

عام 2007 لم تكن في سورية «عصابات مسلحة» تقتحم المحميات وتقطع الأشجار وتسرق وتنهب، ولكن كانت هناك اقتحامات سلمية، ورصدت جميعها من خلال لجنة زارت المحميات فسجلتالاعتداءات التالية:

تدهور واقع الغراس المحرجة صناعياً وبعمر أكثر من 15 عاماً على جانبي الطريق العام حيث أصبحت عارية تماماً من الأوراق والأغصان وتعرض جزء كبير منها للتكسير كما لاحظت اللجنة أثناءمرورها وجود أكثر من طريق مسدود بالحجارة ويتم قطع الطريق بين بلدة عقيربات وتدمر.

المحارس الموجودة تعرضت للتخريب من رعاة مسلحين بأسلحة ثقيلة والتخريب طال كل المنشآت إضافة إلى المحارس ومبنى الإدارة الذي أنشئ عام 2005 وبقي مغلقاً دون موظفين.

وجود تجمع سكاني وبيوت شعر وأبنية مخالفة رغم صدور قرار بنزع اليد، نزعت أبنية وتركت أخرى.

حوادث خطيرة وإطلاق نار على الدوريات الحراجية وحوادث الضرب بالحجارة والتهديد بالسلاح من الرعاة واسيادهم ووصلت الأمور إلى تهديد رئيس المحمية بالقتل.

عدم وجود قضاء مختص أسوة بالدول التي تتبنى فكرة المحميات في العالم.