الحكومة «تصمت» أمام ابتزاز معامل الأدوية.. والنقابة تناشدها: ادعمونا!
بدأت القضية أو ماتسميها نقابة الصيادلة بـ«الشائعات»، حينما نشرت إحدى الصحف المحلية خبراً تحت عنوان «الحكومة تدرس زيادة أسعار الأدوية»، ونقلت الحديث على لسان مصادر غير صريحة من معامل أدوية دونما إدراج أي رد حكومي، وما ساعد في انتشار الخبر وخلق مشكلة في سوق الأدوية، هو عدم صدور أي توضيح رسمي من وزارة الصحة حول القضية.
«الصمت المرعب» الذي يلف الحكومة بعد انتشار الخبر «غير الرسمي» حول دراسة رفع أسعار الأدوية، ينذر بما هو أسوأ مما حصل خلال أسبوع واحد من تداول النبأ على حد تعبير بعض الصيادلة، حيث امتنعت العديد من المعامل عن بيع الأدوية واحتكرت المستودعات الكثير من الأصناف المعروفة بالطلب الكبير، في حين عانى الصيادلة من انقطاع أصناف كثيرة واقتراب انتهاء مخزون أصناف أخرى.
نزولاً عند رغبة التجار
يقول الصيدلي «ص. س» لـ« قاسيون»، وكأن الحكومة تريد أن تجعل المواطن «يترجاها» لأن ترفع سعر الأدوية نزولاً عند رغبة «التجار» مقابل توفيرها، بعد خلق الحاجة في السوق وترك أصحاب المعامل والمستودعات يحتكرون ما يحتكرونه، ليكون الحل الوحيد في إعادة ما بحوزتهم إلى السوق هو «رفع الأسعار».
ويتابع «حتى بعض الصيدليات رفعت أسعارها بشكل مسبق بنسبة تصل إلى 50 و60%، فقد أكد لي صاحب الصيدلية الذي تربطه علاقات وثيقة مع بعض أصحاب المستودعات، بأن الأسعار سترتفع خلال الأشهر القليلة القادمة وحكماً قبل شهر أيلول القادم على حد زعمه، بعد الضغط الذي تمارسه المعامل على الحكومة لابتزازها».
الكميات شارفت على الانتهاء
صيدلي آخر في منطقة ركن الدين يضيف على زميله بقوله «الفترة الأخيرة، وخاصة الأسبوع الماضي، كان هناك إقبال على شراء كميات كبيرة من أدوية الأمراض المزمنة، وقد شارفت الكميات التي لدينا على الإنتهاء، بينما امتنعت بعض المستودعات عن تأمين الكميات المطلوبة المعتادة».
وأردف «رفع سعر الأدوية ليس حلاً بالنسبة لنا كصيادلة، فنحن نعمل على هامش ربح محدد، وباقي الأمور التجارية ليس لنا علاقة بها، فكلما كان الدواء متوفراً زاد بيعنا والعكس صحيح، أي أننا نعاني من خسارة حالياً»، مشيراً إلى أن «الصيادلة الجشعين أساساً لا يلتزمون بهامش الربح، وقد ترى سعر بعض الأدوية يختلف من صيدلية وأخرى وخاصة في الأسبوع الأخير، ما جعل المهنة أقرب لمهنة بائع السوبر ماركت».
صيادلة يرفعون الأسعار مسبقاً
الكثير من الصيدليات خلال جولة قامت بها «قاسيون» رفعت أسعارها عن السابق، وقد يكون ذلك واضحاً من خلال أسعار بعض الأصناف الرائجة كمضادات الالتهاب والحبوب المسكنة، حتى أن مجلس محافظة دمشق أكد منذ أيام على تلك الظاهرة خلال جلسته الرابعة والختامية لدورته العادية الثالثة للعام 2016، مطالباً بمراقبة الصيدليات لمنعها من تجاوز التسعيرة المحددة للأدوية ومن بيع الأدوية المزورة التي انتشرت أيضاً في الفترة الأخيرة، وساعد على انتشارها أكثر احتكار المعامل والمستودعات لأصناف دوائية معينة.
الصحة تحتكر التسعير وتعزل النقابة
نقيب صيادلة سورية محمود الحسن، وصف دراسة رفع أسعار الأدوية بـ «الشائعات» من وجهة نظره، كونه لم يتم إخطار النقابة رسمياً من قبل وزارة الصحة أو أية جهة حكومة بوجودها، ولم يتم استشارتهم بها حتى؟!.
وقال الحسن «لم نسأل عن زيادة الأسعار نهائياً، فذلك الأمر محصور بوزارة الصحة، وليس لدينا دور حتى بآلية التسعير، وحتى اللحظة لا نعلم ما هي الغاية من نشر شائعة دراسة رفع الأسعار».
الحسن طالب خلال حديثه مع إذاعة ميلودي اف ام، كما طالب مراراً، بأن يكون للنقابة دور عبر ممثل لها في أية عملية تسعير، وعدم حصر القضية بوزارة الصحة التي تعتمد في ذلك على لجان لا تضم نقابيين ولا تعلم النقابة أساساً إن كان أعضاء لجنة دراسة أسعار الأدوية هم صيادلة فعلاً، وقال: «النقابة هي المسؤولة عن كل شيء يخص الصيادلة ويجب أن نكون متواجدين بكل قضية تخص هذا القطاع».
على حد تعبير الحسن، فإن النقابة لا تريد رفع أسعار الأدوية الرائجة حالياً، قائلاً: إن ذلك «ليس من مصلحتها»، مضيفاً «مطالبنا هي فقط توفير الدواء الوطني بسعر مناسب للمواطن وأن تكون نتائجه فعالة»، مشيراً إلى أن «الصيدليات لم تتمنع عن بيع الدواء، إلا أن مخازينها شارفت على الإنتهاء، فقد توقفت أغلب المعامل عن البيع، منذ أسبوع تقريباً».
وأردف «شائعات رفع أسعار الأدوية دفعت المواطنين لشراء الأدوية وتخزينها»، وهذا ما قد يزيد من مشكلة انقطاع بعض الأصناف، مؤكداً «وجود أدوية مفقودة منذ أسبوع تقريباً، وهي بالغالب شرابات الأطفال ومضادات الالتهاب».
النقابة تناشد الحكومة: ادعمونا!
نقيب صيادلة سورية طالب الحكومة بحل مشكلة الدواء عبر «دعم حكومي بسيط للمادة الأولية، بتمويل استيردها من قبل مصرف سورية المركزي»، وبذلك يكشف النقيب بشكل غير مباشر عن عدم وجود أي دعم حكومي لقطاع صناعة الأدوية عدا عن معمليها «الديماس وتاميكو» شبه المتوقفين حالياً، إضافة إلى عدم تمويل عملية استيراد المواد الأولية الداخلة في تصنيعها، والتي تتم مباشرة من قبل معامل الأدوية والشركات العالمية دون تدخل أي طرف حكومي.
وأشار الحسن إلى أن عدم تمويل المصرف المركزي لمثل تلك المواد يدفع المعامل للاتجاه نحو السوق السوداء، ما يسهم في ارتفاع الأسعار وزيادة خسارة خزينة الدولة.
الحكومة «تصمت» أمام المزور
انقطاع بعض أصناف الأدوية من السوق، ساعد على انتشار أصناف مزورة كانت موجودة سابقاً، وازدادت مؤخراً، وقد خرجت عدة تصريحات حكومية تؤكد وتبرر ذلك في آن معاً، حيث أكد وزير الصحة، في جلسة «مجلس الشعب» الأخيرة، رداً على سؤال تعلّق بموضوع انتشار بعض الأدوية المزوّرة، في الصيدليات التي تحمل اسم الأدوية الوطنية نفسه وتماثلها بالشكل، أن بعض حدودنا مفتوحة والأمر الطبيعي أن يكون هناك تهريب للأدوية التي قد تكون مزورة.
وأكدت «منظمة الصحة العالمية» أن الأدوية المزورة تشمل مزائج من مواد سامة، وأخرى ضارّة، وبعضها غير فعال، وبعضها الآخر يحتوي على مكونات معلنة وأخرى غير معلنة، وبعضها يضاهي الأصلي وبعضها الآخر مقلّد بشكل واضح، كما أن هنالك أنواع من التزييف للأدوية بإضافة مواد كيميائية وهرمونية، على أساس أنها مركّبة طبيعية وعشبية، وفي هذه الحالات جميعها يكون مصدر الدواء المزيّف مجهولاً، ومحتواه لا يمكن الوثوق فيه، وهي دائماً غير مشروعة ويمكن أن تسبّب فشل العلاج أو الوفاة أيضاً.
الحكومة التزمت الصمت مرة أخرى حيال الرد على حلول مطروحة للحد من قضية تزوير الأدوية، فقد أشار نقيب الصيادلة في سورية، إلى مشكلة أخرى بين النقابة ووزارة الصحة، غير قضية عدم تمثيلهم بلجنة دراسة الأسعار، وهي عدم الرد على طلب قديم منذ سنتين لاعتماد لصاقة «نقابية» ليزرية تميز بين الأدوية الأصلية والمزورة.
الحسن قال إن «وزارة الصحة لم ترد على الطلب القديم الذي أعيد التأكيد عليه شهر آذار الماضي، لا بالموافقة ولا بالنفي، وبقيت القضية معلقة حتى اليوم».