الجامعات السورية باتت حلماً أشبه بالمستحيل للطالب السوري..
يوسف البني يوسف البني

الجامعات السورية باتت حلماً أشبه بالمستحيل للطالب السوري..

مثلها مثل كل القرارات والممارسات والسياسات التي جرَّت البلد إلى وضع لا يُحسد عليه، كانت معدلات القبول في الجامعات السورية التي حددتها نتائج المفاضلة الثانية، حيث شكّلت مفاجأة قاتلة وصدمة كبيرة للكثير من الطلاب الذين ترقبوا صدورها بخوف وتوجس، كما في كل عام.. 

وكانت وزارة التعليم العالي قد بدت مترددة ومتخبطة خلال اليومين اللذين سبقا الإعلان الرسمي الصادر عن الوزارة، إذ أكدت بداية أن نتائج المفاضلة ستصدر في يوم السبت 24/9/2011 كحد أقصى، ثم في إعلان آخر حددت بالضبط أن النتائج ستعلن في تمام الساعة السادسة من مساء يوم السبت الموعود، إلا أنها تأخرت أكثر من ساعتين نشف خلالها دم الطلاب وهم يبحثون في الموقع عن شيء لم يعلَن، وبعد أكثر من ساعتين من التأخير والتيه في غياهب شبكة الانترنت، نشرت وزارة التعليم العالي روابط خاطئة للمفاضلة، ثم عادت وعملت عدة محاولات لتصحيح الأخطاء، ثم قامت أخيراً بسحب المفاضلة كاملة من الموقع، وصدر بيان عن مصدر مسؤول في الوزارة أن تأخُّر إعلان المفاضلة جاء لأسباب فنية!.

 

بعد هذا التأخير والتخبط تمكنت وزارة التعليم العالي أخيراً مع فجر يوم الأحد التالي من الإعلان عن نتائج المفاضلة العامة للقبول الجامعي للعام الدراسي 2011 ــ 2012، وأثار تخبط الوزارة وتأخرها في إعلان النتائج استياء وقلق وتوجس عشرات الآلاف من الطلاب الذين ينتظرون صدور النتائج لتحديد مستقبلهم، وكانت الوزارة قد أصدرت تعميماً في وقت سابق حصرت فيه نشر الأخبار المتعلقة بالتعليم العالي بموقعها الرسمي، الذي توقف في اليوم الموعود لنشر النتائج بشكل كامل، قبل أن تنشر وتسحب المفاضلة منه، وكان السبب في هذا الخلل هو اختراق بعض العابثين للموقع وتلاعبهم وتشويشهم على محتوياته. وحول هذه التوترات وشعور الطلاب وما ترتب من إجراءات على المعدلات المرتفعة للقبول الجامعي، كان «لقاسيون» الكثير من اللقاءات مع الطلبة أمام نوافذ التسجيل، وحصلنا على هذه التصريحات:

بداية المشكلات والتعقيدات

ـ الموظف إسماعيل في شؤون طلاب إحدى الكليات، حدثنا عن شروط الالتحاق بالجامعات والمعاهد المحددة في إعلان المفاضلة العامة ومفاضلة التعليم الموازي فقال: «حددت وزارة التعليم العالي شروط الالتحاق بالجامعات السورية (دمشق، حلب، تشرين، البعث، الفرات) والمعاهد التابعة لمختلف وزارات الدولة، للمفاضلة العامة ومفاضلة التعليم الموازي للطلاب السوريين ومن في حكمهم للعام الدراسي 2011 ــ 2012 من حملة شهادة الدراسة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي في دورة عام 2011، وبموجب هذه الشروط يتقدم الطالب إلى المفاضلة العامة ومفاضلة التعليم الموازي في وقت واحد، وضمن بطاقة مفاضلة واحدة، بعد أن يودع مبلغ 25 ألف ليرة سورية كتأمين في المصرف التجاري السوري، في حال اشتراكه بمفاضلة التعليم الموازي، ويدون الطالب للمفاضلة العامة 24 رغبة للفرع العلمي، و20 رغبة للفرع الأدبي، ويدون لمفاضلة التعليم الموازي 12 رغبة للفرع العلمي و10 رغبات للفرع الأدبي، وتعالَج نتائج كل مفاضلة على حدة، وللطالب أن يدون رغبة واحدة أو أكثر في بطاقة المفاضلة، أو جميع الرغبات المتاحة له، وهنا أرى أن هذه الرغبات ليس أكثر من حصر الطالب أمام خيارات ملزِمة ومقيدة تحددها معدلات القبول ونسبة الاستيعاب في الجامعة».

ـ الطالب أكرم فلاح قال: «أساساً السياسات التعليمية عندنا في سورية كلها أخطاء قاتلة، وتدمير لمستقبل الشاب السوري، ويخترعون العراقيل الواحدة تلو الأخرى، بهدف أنه إذا نجا الطالب من الفخ الأول، سيسقط في الثاني حتماً، فمثلاً عند تقدُّم طالبين حاصلين على المجموع العام نفسه لدرجات الشهادة الثانوية العامة ضمن الحد الأدنى للقبول في أي اختصاص، فسيُنظَر إلى علامة بعض المقررات في الشهادة، وأنا اعتبر هذا عقبة متقدمة في طريق الرغبات، وعند تساوي الحد الأدنى للقبول بعلامة الاختصاص يُنظَر إلى المجموع العام للدرجات بعد طي درجة مادة التربية الدينية، ويُقبَل من حاز على المجموع الأعلى عند تساوي علامة الاختصاص، ولأنه قد أصبح يُنظَر إلى العلم من الناحية التجارية، فقد تم تثقيل بعض المعدلات للاختصاص ذات المردود المادي العالي، بعلامات المواد العلمية (الرياضيات والفيزياء والكيمياء)، فالطب مثلاً بعد أن كان مهمة إنسانية شفافة، وأصبح مهنة تجارية رابحة، تم تثقيل مجموع العلامات المطلوب، والعالي أساساً، والبالغ 237 علامة من أصل 240، بالعلامات الفردية والتي يجب أن تكون كاملة في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وهذا ظلم، فمن نَقُصَ له علامة في كل مادة من هذه المواد وحصل على مجموع كامل في باقي المواد، لا يُقبَل مجموع علاماته في كلية الطب في دمشق، وقد يُرمى به إلى حلب أو الفرات».

 

معدلات القبول إحباط وأخطاء قاتلة

ـ الطالب وليم س قال: «نتائج المفاضلة ومعدلات القبول النهائية ليست سوى إحباط وأخطاء قاتلة في هذا الوقت غير المناسب نهائياً لزيادة التوترات والنقمة ضد الوضع القائم في سورية، ظلم كبير في حين المطلوب من الحكومة الحالية أن تتجاوز أخطاء وقرارات الماضي التي كانت سبب كل هذا التوتر والاضطرابات، والمفروض أن الحكومة قد وعدت بالإصلاحات وإعطاءِ كل ذي حق حقه، وتلبية رغبات ومطالب المواطنين، والطلاب هم الشريحة الكبيرة والفاعلة من المواطنين الذين يجب تلبية رغباتهم والحفاظ على تأمين مستقبلهم، ولكن هذه الممارسات التي نراها ليست سوى تكريس للفساد والظلم، واستمرار لنهج خصخصة التعليم. يريدون إجبار الطلاب على التسجيل بالتعليم الموازي أو المفتوح (واللي ما معه مصاري حدو جهنم) أتمنى أن يكون السيد الوزير قريباً من الشعب حتى يرى وجوه الطلاب وحالتهم النفسية أثناء انتظار نتائج المفاضلة، والصاعقة التي نزلت على معظمهم بعد هذا الانتظار. كل سنة يرفعون المعدلات أكثر من السنة التي قبلها، وقد يأتي يوم يكون فيه المطلوب للتسجيل بالجامعة معدل %105، حرام عليهم تدمير مستقبلنا».

ـ الطالب حسام ب قال: «نتائج المفاضلة هذه السنة شيء مؤسف ومدمر للكثير من طلابنا، والمعدلات عالية بشكل خيالي، هل من المعقول أن يحصل طالب على مجموع 178 علامة بالأدبي ولا فرصة ولا أمل لديه بالتسجيل في أي فرع؟ في حين أن الكثيرين الذين لا يستحقون حجز معقد في الجامعة يحصلون عليه دون عناء ودون دراسة، فمعلوم أن أصحاب القرارات وخاصة السادة الوزراء الذين يحرموننا من كل شيء، نجد أن مقاعد أبنائهم جاهزة في الجامعة وفي الفرع الذي يريدون، حتى ولو كانوا (...) ولا علاقة لهم بالدراسة، إنني أدعو عليهم دعوة مظلوم ومحروم أن يلاقوا ما يظلموننا به في أولادهم في المستقبل القريب، ولعنة الله على القوم الظالمين».

 

هدر وتضييع لجهود الطلاب وتعبهم

ـ الطالب إسحاق خ قال: «والله عيب عليهم، ظالمين، مجرمين، يريدون حرمان الطلاب من متابعة دراستهم، وما الهدف من ذلك؟! هل هو تطفيش القدرات الشبابية والقضاء على كل المؤهلات الضرورية لبناء هذا الوطن؟! معظم الكليات تتطلب معدل يتجاوز الـ%95 هذا ظلم (وشي بيبكي)، الأفضل أن نقعد في بيوتنا بدون فائدة، ويجب ألا نخدم هذا الوطن الذي خذلنا على أيدي أزلامه ومتنفذيه، والله جابوا الجلطة لأهلنا، ظلم كبير أن ترتفع المعدلات بهذا الشكل، وهدر وتضييع لكل جهود الطلاب وتعبهم، وانتظار أهاليهم والأمل المعقود عليهم».

ـ الطالب محمد ع قال: «أمَا كفاهم ظلماً وفساداً وسياسات أدت إلى خروج الناس إلى الشارع لتطالب بالحق ووقف الظلم وحفظ الكرامة؟ ألم يتعلموا من الدروس السابقة؟! ألا يرون المظاهرات والاحتجاجات ضد الظلم والفساد؟! الناس لا تجد ما تأكله، ويريدون أيضاً حرمانهم من مقعد للدراسة في هذا البلد، نحن نعرف سلفاً أن هناك في موقع القرار أناساً يريدون تخريب البلد والتضييق على المواطنين في كل شيء، لقمة العيش والعمل والدراسة، وكان الأمل بالوزارة الجديدة وخاصة وزير التعليم العالي، أن تعمل على حل المشاكل، وتبدأ بالإصلاحات للوصول إلى مخرج جيد وآمن من الأزمة التي تتعرض لها سورية، ولكن يبدو أنه (لبس قبعه ولحق ربعه)، وكنا مفكرين أنه سوف يخلِّص القطاع التعليمي من التعقيدات التي سببتها سياسات الحكومات السابقة، ولا أظنه يحس بهمومنا ومشاكلنا ومعاناتنا، لأن بشكل تلقائي إذا كان عنده ابن بحاجة للتسجيل بالجامعة، فمقعده محجوز سلفاً، ومن غير حتى علامات جيدة، وفي الفرع الذي يريده».

 

يجب الاعتراض على سياسات التخريب

ـ المدرس إحسان ش قال: «هذه العقبات والتعقيدات الظالمة يجدها المواطن السوري في كل مراحل حياته، فأنا مثلاً خريج جامعة منذ ثماني سنوات، ولا أجد عملاً بموجب شهادتي، ولا يوجد وظائف بالدولة، لذلك من المخجل أن تجدني أعمل نادلاً في مطعم، ومع ذلك فأنا كذلك، ثماني سنوات، وقبلها سنوات كثيرة، لا شواغر ولا مسابقات تعيين، لذلك أنا أدعو كل الذين لم يخرجوا في مظاهرات بعد، أن ينزلوا إلى الشارع رافضين ممارسات الحكومة التي هي امتداد للسياسات القديمة التي خربت البلد، إن كل طالب لم يحصل على مقعد في الجامعة، وكل خريج لم يحصل على عمل، عليه أن ينزل إلى الشارع ويرفع صوته، وليكن ما يكون، (فأكثر من القرد الله ما مسخ)».

ـ الطالب وسيم ح قال: «حطَّموا معنوياتنا ودمروا مستقبلنا، مع أنهم يتبجحون ويقولون إنهم يريدون جيلاً ناجحاً، ومشارِكاً فعالاً في بناء الوطن الحديث، وقالوا إن معدلات القبول سوف تنخفض لتأمين مقعد لكل راغب بمتابعة الدراسة، ولكن بدل ذلك فاجؤونا بضربة قاضية، وحرمونا من أحلامنا، الله يحرمهم نور عيونهم. أصلاً لا يريدون من البشر أن تتعلم، لأن معدلات القبول بالمفاضلة الثانية حرام وظلم، وأحياناً كثيرة تجد طالباً يُحرَم من التسجيل بالفرع الذي يرغبه من أجل علامة واحدة، ومن أجل علامة واحدة يضيع تعب وسهر الطالب خلال سنة كاملة، وبالفعل فقد هدّدوا وفعلوا، وجعلوا من الجامعة حلماً يصبو إليه كل طالب، وقليلٌ من يناله».

 

جهود ضائعة بالفساد.. والفقر

ـ الطالب عبد الله ب قال: «كل المصائب أتت مجمعة في هذه السنة، ففي البداية فقدت اثنين من أعز أفراد العائلة والأقارب، وبعض الأقارب الآخرين معتقلون، والضربة الثالثة التي جننتني هي نتائج المفاضلة الظالمة لكل الطلاب وتعبهم وسهرهم، هناك بعض الطلاب يقتنعون أن الذي يدرس يلاقي نتيجة جهده وتعبه، ولكنني أرى أن جهد الكثيرين من الطلاب وتعبهم وسهرهم ضاع على علامة واحدة، بينما كثيرون من الناجحين (شحط) يصبحون أطباءَ ومهندسين، وحرام أن يقع الظلم على الطالب الذي تنقصه علامة وأهله لا يملكون المال ليدفعوا له في التعليم الموازي، هناك على الأقل مائة ألف طالب تتحطم أحلامهم سنوياً أمام الفساد والواسطة والمحسوبيات... والفقر الكافر».

ـ الطالب إلياس ف قال: «درسنا وتعبنا وشقينا، نحن وأهالينا، وبعد كل ذلك إلى الشارع، كل الجامعات والعلم بالعالم كله أصبحت تعتمد مبدأ فحص القدرات والكفاءات عند الطالب، وفحص القبول لتحديد المجال الذي من الممكن أن يبدع فيه، ولكننا، نحن في سورية، استثناءٌ من العالم كله، مازال مجموع العلامات في الثانوية العامة يتحكم بمصيرنا، يريدون ترسيخ الجهل بين المواطنين، وأن يحرمونا من ارتياد الجامعة، كل العالم يمشي لقدام ونحن للوراء، علماً أن الكثيرين من الطلاب ممكن أن يحصلوا على مجموع عالٍ بالغش والنقل والأساليب غير الشرعية، الطالب الشريف عندنا في سورية محاصَر من كل الاتجاهات، فمن أين سيتصدى للعقبات؟! هل من الامتحان؟ أم من التصحيح والأخطاء التي من الممكن أن تحدث فيه؟ أم من المفاضلة وارتفاع معدلات القبول؟! إن حياة الطالب في سورية معركة حقيقية وطحن صخر، يدَّعون أنهم يريدون الإصلاحات وإنقاذ البلد، يجب أن يبدأوا قبل كل شيء بالقطاع التعليمي والسياسات التعليمية، ولكن كل ما يدَّعون ليس أكثر من وعود وتسويفات فقط، والشعب ينادي ويستجير، ويصيح مطالباً بالكرامة وتوفير سبل العيش الكريم، وعدالة الفرص بين الجميع، ولكن ليس هناك من يسمع».

 

النتائج مرتبطة بالمقدمات

هذه هي بعض الحقائق التي أدركها طلابنا وصرحوا بها، هذه هي السياسات التي جعلت القطاع التعليمي في سورية متخلفاً، ومحكوماً للواصلين والمتنفذين، والمقتدرين مادياً فقط، فالقضية ليست قضية استيعاب، وليست قضية قدرات وكفاءات يحددها المجموع المطلوب للتسجيل في الاختصاص الذي يرغبه الطالب، بل إن الهدف الأول والأخير هو الاستمرار بسياسات الخصخصة للقطاع التعليمي، وإجبار الطلاب على التوجه إلى التعليم الموازي والمفتوح، أفلا يتساءل أصحاب القرار ومنفذو هذه السياسات عن علاقة الغضب والقهر والإحباط الذي يواجهه الطالب السوري بالحركة الاحتجاجية الشعبية التي امتدت في معظم شوارع سورية؟! ألا يدركون أن من حق المظلوم أن ينزل إلى الشارع مطالباً بحقه ورفع الظلم عنه؟! ألا يدركون أن سياساتهم هذه ستؤدي إلى المزيد من الاحتقان والغضب والتوتر، بدلاً من التوجه إلى الهدوء والاستقرار الذي يفرضه وجود إصلاحات حقيقية؟! أسئلة تنتظر ليس الرد بخطابات أو تصريحات فارغة، وإنما بخطوات إصلاح فعلية يلمسها المواطن السوري على الأرض....