رحلة الهجرة توقفت في اليونان حتى إشعار آخر.. والأبواب تغلق أمام السوريين بعد تقطع السبل؟

رحلة الهجرة توقفت في اليونان حتى إشعار آخر.. والأبواب تغلق أمام السوريين بعد تقطع السبل؟

«مازلنا في منتصف الطريق منذ أكثر من شهرين، نحن غير قادرين على العودة أو الهروب إلى الدول الأوروبية، التي كانت مقصدنا منذ البداية.. السلطات اليونانية تنظر إلينا ككنز لا يمكن التفريط به» 

هكذا وصف مهند (ع) حاله وهو في العشرين من عمره، بعد رحلة الهجرة التي بدأها من أكثر من شهرين ونصف، عندما خرج بطريقة غير شرعية إلى تركيا..!

بدأت رحلة هجرته تزداد تعقيداً في تركيا، حين ألقي القبض عليه هو ووالده قرب أزمير، وهما يحاولان الهرب عبر البحر، على متن زورق مطاطي مع عشرات المهاجرين غيرهما إلى اليونان، ليعيد الدرك التركي الرحلة إلى البداية مرة أخرى، وحبس الجميع مدة 3 ايام، ويضطر الوالد والابن للعمل لتأمين المال اللازم لإعادة الكرّة مرة أخرى.

لم يلجأ مهند ووالده مع البقية، لطريق مرسين ومنه إلى ايطاليا مباشرة عبر البحر، كون الرحلة ستكون أطول (من 5 إلى 8 أيام) وفيها من المخاطر الكثير، وخاصة وسط أمواج البحر الهائجة فصل الشتاء، أما الرحلة من أزمير إلى اليونان فهي أقرب وأقل مخاطرة، وقد لا تستغرق أكثر من ساعتين فقط..!

 

الهرب من تركيا بسرعة زادها سوءاً..!

يقول مهند: إن «الحياة في تركيا باهظة، وكان علينا الإسراع في الهرب، قبل نفاد كامل المبلغ الذي بحوزتنا، والعمل لتأمين مزيد من المال، بعد ما أنفقناه في المحاولات الفاشلة للوصول إلى اليونان».

اعتقد مهند ووالده: أن الوصول إلى اليونان سيكون عبارة عن محطة فقط.. للانتقال إلى الدول الأوروبية المنشودة، لكن هذا الحلم لم يتحقق إلا للوالد وقد يكون محالاً بالنسبة إلى مهند، والذي قد تفرض عليه الجنسية اليونانية رغماً عنه، وبذلك تكون الرحلة قد فشلت في منتصفها..!

“اليونان البلد الذي يهابه جميع المهاجرين غير الشرعيين، وخاصة السوريين، والسبب يعود لتمسك السلطات هناك بالمهاجر، ومحاولة التحايل عليه وإقناعه بالبقاء في البلد، والحصول على الجنسية، ما قد يقضي على أحلام المئات من المهاجرين، والقضاء على مستقبلهم نهائياً» وفقاً لما قاله مهند، لكن لماذا..؟

 

الكنز السوري

يشرح مهند الحال في اليونان – أثينا ويقول: «في أول يوم وصلنا به إلى أثينا، كانت الشوارع تغص باليونانيين اليساريين، الذين يطالبون الحكومة بإلغاء سياسة التقشف، وتأمين معيشة كريمة لهم، وزيادة الرواتب، وما إلى ذلك من أمور اقتصادية، تؤكد أن البلد على شفا حفرة من التدهور الاقتصادي».

وتابع «هنا تنظر الحكومة اليونانية إلى المهاجرين غير الشرعيين وكأنهم كنز من آلاف الدولارات وخاصة السوريين، وكلما استطاعت إبقاءهم على أراضيها أجبرتهم على إنفاق ما بحوزتهم من هذه العملة الصعبة في أمل انعاش ولو جزء قليل مما تعانيه البلاد من أزمة».

ويضيف «من المعروف أن المهاجر غير الشرعي يحمل لحوزته آلاف الدولارات في سبيل إكمال رحلته إلى الدول الاوروبية المنشودة، وهنا كلما طال مكوثنا في اليونان، تحتم علينا إنفاق ما نملكه من نقود، وهذا ما حصل فعلاً، ونجحت بتحقيقه السلطات اليونانية بالنسبة لبعض المهاجرين».

 

محاولات يمينية «ملتوية»

تحاول السلطات اليونانية إقناع المهاجرين غير الشرعيين، بالحصول على جواز سفر يوناني، ووضع بصمتهم داخل هذا البلد، ليتم منعهم من الحصول على اللجوء في دول أوروبية أخرى، وهنا يكون المهاجر قد أنفق ما بحوزته من دولارات وعملة صعبة، كان قد اقترضها أو حصل عليها بعد بيع كل مايملكه في سورية على رحلة فاشلة انتهت بدولة قريبة الانهيار اقتصادياً بوضع «أسوأ من ماهو عليه الوضع في سورية» وفقاً لما قاله مهند.

ويقوم المهاجرون يومياً، باعتصامات أمام البرلمان اليوناني، في ساحة سنتغما، وهنا يستغل نواب البرلمان اليمينيون ذلك، بمحاولة إقناع المعتصمين بالحصول على جوازات السفر، مقابل عدة امتيازات لن تحقق.. وفقاً لما يقوله نواب اليسار، الذين يحاولون بدورهم إقناع المعتصمين بعدم المثول لهذه العروض.

 

اليساريون مع مطالب المهاجرين..

وتابع مهند الذي تقرب من بعض اليساريين في البرلمان اليوناني، قائلاً: «هناك اتفاق في البرلمان للحصول على 10 مهاجرين يومياً ومنحهم جواز السفر اليوناني وتبصيمهم، وقد وافق على ذلك مؤخراً حوالي 400 شخص دفعة واحدة عدا عن العشرات الذين يتم إقناعهم يومياً».

وأشار إلى أن «بصمة المهاجر في اليونان يعني أنه أصبح لاجئاً، دون أي امتيازات، ودون معونة مادية شهرية مقارنة بالسويد مثلاً.. ودون تأمين سكن أو لم الشمل، بحجة أن هذه البلد فقيرة، وغير قادرة على تأمين هذه الأمور، بظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها وهنا تكمن الخطة اليونانية».

وأردف «كلما زاد عدد المهاجرين الذين تستطيع الحكومة اليونانية الابقاء عليهم في البلاد ومنعهم من الهجرة، ازادت قدرتها على التسول من الأمم المتحدة والدول الأوروبية باسمهم، وهذا ما قد ينعش اقتصادها قدر المستطاع، أي أننا أصبحنا وسيلة للتسول، بعد أن أنفقنا نقودنا على الحياة الباهظة».

مهند يرفض الحصول على جواز سفر يوناني أو وضع بصمته هناك.. ورغم إنفاقه لما بحوزته من دولارات، إلا انه ما زال متأملاً بإكمال رحلته. وقد حاول مراراً الهرب، إلاّ أنّ السلطات اليونانية أعادته من البحر، دون أن تسجنه، وهذا ما يدل على حاجة البلد، لأي لاجئ يحمل عملة صعبة في جيبه..

 

عمل غير شرعي في سبيل الهرب

مهند الذي استطاع أن يساعد والده بالهرب إلى ألمانيا، مقابل انتظاره هو في اليونان، ريثما يعيد تأمين المبلغ اللازم للهرب مرة أخرى، يؤكد: أن أغلب السوريين هناك، والذين أنفقوا ما بحوزتهم على الحياة الباهظة، باتوا يعملون أعمالاً غير شرعية، لتأمين تكاليف باقي الرحلة التي قد لا تكتمل بسهولة..!

وتابع «نعمل بالسمسرة والنصب والاحتيال والتعامل مع المهربين، لنقل الأشخاص بتكاليف مرتفعة جداً، لأن الهروب من اليونان أصبح صعباً جداً أيضاً، ويحتاج إلى أساليب مختلفة عما كنا قد فكرنا به سابقاً، هنا بدأنا بتأمين بطاقات شخصية أوروبية (سويسرية أو ايطالية) مزورة وجوازات وتكت طائرة بحوالي 500 يورو، وهو مبلغ مرتفع وقد يتم إلقاء القبض على هذا الشخص وإعادته وخسارة المبلغ».

وأردف «هناك طريقة أخرى تتم عبر دفع المهاجر لمبلغ 5000 يورو لدى أحد المكاتب في البلاد ووضع كود خاص به، وبعد تأمين المهرب للمهاجر في الطائرة واقلاعها يعطي المهرب الكود ويحصل على المبلغ، وفي حال لم يتأمن الطريق لايخسر المهاجر ماوضعه من نقود لدى مكتب التأمين».

وبدأ اللاجئون السوريون في اليونان منذ أكثر من عشرين يوماً، اعتصامات تخللها اضرابات عن الطعام في ساحة البرلمان اليوناني بعد أن تقطّعت بهم السبل هناك، ومُنعوا من مغادرة البلاد، ويأتي هذا الاعتصام السلمي في ساحة «السانتغما»مقابل البرلمان اليوناني (وسط أثينا) احتجاجاً على الأوضاع الصعبة لهؤلاء اللاجئين التي لا تنفصل عن أوضاع اليونانيين عموما الذين ينظمون اعتصامات ضد الأوضاع الاقتصادية الصعبة وسياسة التقشف التي فرضتها الحكومة.