صفعة لرسوم ترامب: الصين تصفّر رسومها الجمركية على الأدوية الهندية
في تطور تجاري كبير في ظل التوترات العالمية، وكمؤشر على زيادة التقارب بين قوى الشرق الصاعدة، بما فيها التنين الصيني والفيل الهندي، أزالت الصين جميع رسومها الجمركية على واردات الأدوية الهندية، وذلك في توقيت حاسم جاء مباشرة بعد إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على واردات الأدوية.
هذا التطور التجاري يُعد بمثابة إغاثة لصناعة الأدوية الهندية، حيث أعلنت الحكومة الصينية عن خفض الرسوم الجمركية على واردات المنتجات الدوائية من الهند من 30% إلى صفر بالمئة.
وقد دخل القرار حيز التنفيذ مؤخراً، مما يفتح أبواب السوق الصينية الضخمة أمام الشركات الهندية، مما يتيح لها تصدير الأدوية دون أي حواجز جمركية. يأتي هذا الإجراء في توقيت حاسم، مباشرة بعد إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على واردات الأدوية المسجلة أو المسودة، مما يعكس تحولاً في سلاسل التوريد العالمية للأدوية.
خلفية القرار وتفاصيله
أعلن عن هذا التغيير في 28 أيلول 2025، وفقاً لتقارير من وسائل إعلام هندية مثل "Free Press Journal" و"Trak.in". الرسوم الجمركية السابقة، التي كانت تبلغ 30%، كانت تشكل عائقاً كبيراً أمام المنافسة الهندية في السوق الصينية، حيث تُعد الهند مصدراً رئيسياً للأدوية الجنريكية (أو "الأدوية المكافئة" وتعني الأدوية التي تحتوي على المادة الفعالة نفسها للدواء الأصلي ولكن تُباع دون اسم تجاري وبأسعار أقل)، والمكونات الفعالة (APIs). الآن، مع إلغاء هذه الرسوم، ستتمكن الشركات الهندية من تقديم منتجاتها بأسعار أكثر تنافسية، مما يعزز من قدرتها على الوصول إلى أكثر من 1.4 مليار مستهلك في الصين، الثانية عالمياً في حجم سوق الأدوية.
يشمل القرار جميع المنتجات الدوائية الهندية، بما في ذلك الأدوية الجنريكية والأدوية المتخصصة، ويُتوقع أن يزيد من الصادرات الهندية إلى الصين بنسبة كبيرة. وفقاً لخبراء التجارة، قد يفتح هذا الإجراء فرصاً تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنوياً، خاصة في ظل الطلب المتزايد في الصين على الأدوية الرخيصة والموثوقة. كما أن هذا يساعد في تقليل الاختلاف التجاري بين الهند والصين، حيث تستورد الهند الكثير من الإلكترونيات والآلات من الصين، بينما تكون صادراتها إليها محدودة نسبياً.
يُذكر أن الصين سبق لها اتخاذ خطوات مشابهة في الماضي، مثل إزالة الرسوم على 28 دواءً هندياً (بما في ذلك أدوية السرطان) في عام 2018، والتي ساهمت في زيادة الصادرات الهندية بنسبة ملحوظة. لكن الإعلان الحالي أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً، مما يعكس رغبة الصين في تعزيز الشراكات الإقليمية في قطاع الرعاية الصحية.
السياق الدولي: الضغط الأمريكي وتأثيره
يأتي هذا القرار كرد فعل جزئي على الإجراءات التجارية الأمريكية الجديدة. في 25 أيلول 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات الأدوية المسجلة أو المسودة، بدءاً من 1 أكتوبر 2025، ما لم تقم الشركات ببناء مصانع تصنيع في الولايات المتحدة. هذا الإجراء، الذي يشمل أيضاً رسوماً على الشاحنات الثقيلة (25%) والأثاث (30%)، يهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي الأمريكي، لكنه يهدد صناعة الأدوية الهندية التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية.
في العام المالي 2024-2025، بلغت صادرات الهند من الأدوية 27.9 مليار دولار، منها 8.7 مليار دولار إلى الولايات المتحدة وحدها (31% من الإجمالي). في النصف الأول من 2025، وصلت الصادرات إلى الولايات المتحدة إلى 3.7 مليار دولار. الرسوم الأمريكية الجديدة قد تقلل من هذه الصادرات بنسبة تصل إلى 50%، مما يدفع الشركات الهندية إلى البحث عن أسواق بديلة. هنا يبرز دور الصين كـ"باب مفتوح"، حيث يُرى القرار الصيني كاستراتيجية لجذب الإنتاج الهندي وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في سلاسل التوريد الصحية.
التأثيرات المتوقعة على الصناعة الهندية
يُتوقع أن يؤدي إلغاء الرسوم إلى زيادة الصادرات إلى الصين بنسبة 20-30% في السنة الأولى، مما يولد إيرادات إضافية تصل إلى 2-3 مليارات دولار. وهذا يعزز من مكانة الهند كأكبر مصدر للأدوية الجنريكية عالمياً.
وقد يؤدي التوسع في التصدير إلى إنشاء آلاف الوظائف في قطاع التصنيع الدوائي الهندي، خاصة في ولايات مثل غوجارات وماهاراشترا حيث تتركز الشركات الكبرى مثل Sun Pharma وDr. Reddy's.
زمع إغلاق السوق الأمريكية جزئياً، يصبح السوق الصيني بديلاً استراتيجياً، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالاعتماد على سوق واحد. كما يشجع على تعزيز الشراكات بين الشركات الهندية والصينية في مجال البحث والتطوير.
ومن التحديات المحتملة، أن الشركات قد تواجه تحديات مثل الامتثال للمعايير التنظيمية الصينية، والتأخيرات اللوجستية، والمنافسة الشديدة من المنتجين المحليين. كذلك، يعتمد 60% من المواد الخام الهندية على الواردات من الصين، مما يتطلب توازناً في العلاقات التجارية.
ترحيب هندي وتعزيز لتقارب القوى الصاعدة
لكن يبدو أن كفة الإيجابيات من القرار راجحة بشكل كبير، حيث أعربت الجهات التجارية الهندية عن ترحيبها بهذا التطور، معتبرة إياه "فرصة تاريخية" لتعزيز الدور الهندي في الرعاية الصحية العالمية.
وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل Reddit، أشاد المستخدمون بالقرار كخطوة نحو تعاون أفضل بين الهند والصين، مع اقتراحات لاستخدام العملات الوطنية في التجارة لتجنب الاعتماد على الدولار. من جانبها، ترى الصين في هذا خطوة لتعزيز الاستقلال في سلاسل التوريد، خاصة بعد جائحة كوفيد-19.
ومع اقتراب تاريخ التنفيذ الأمريكي للرسوم الجمركية في 1 أكتوبر، يُتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة زيادة في الاستثمارات الهندية في السوق الصينية، وربما اتفاقيات جديدة بين الحكومتين.
إن هذا القرار ليس مجرد إجراء تجاري، بل إشارة إلى إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في قطاع الأدوية العالمي، حيث تتحول الهند تدريجياً من مصدِّر إلى شريك استراتيجي رئيسي. وأهمية الخطوة أنها تعزز الاتجاه العالمي لتقارب قوى الشرق الصاعدة وتكتلاتها المناهضة بشكل متزايد للهيمنة الأمريكية واستبداد الدولار، وخاصة أنها تأتي بعد القمة الهامة التي عقدتها منظمة شنغهاي للتعاون مؤخراً في تيانجين في الصين.