اللاجئون السوريون في لبنان.. ورقة سياسية تتقاذفها المصالح وسط غياب الضمانات الإنسانية
في خطوة أثارت موجة من القلق والاستنكار، أعلنت مفوضية اللاجئين في لبنان قرارها بوقف تمويل التغطية الصحية للاجئين السوريين بدءاً من تشرين الثاني المقبل.
القرار، الذي يأتي في ظل أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة في لبنان، لا يمكن فصله عن السياقات السياسية والإنسانية المتشابكة، التي تحوّل اللاجئين إلى أرقام في معادلات المصالح والضغوط، بدلاً من التعامل معهم كبشر يستحقون الكرامة والحماية.
أبعاد القرار... بين العجز المالي والتوظيف السياسي
القراءة الأولى للقرار تفترض أنه نتيجة مباشرة لنقص التمويل الذي تعاني منه المفوضية وغيرها من المنظمات الدولية العاملة في مجال اللجوء، خاصة مع تراجع أولويات الملف السوري دولياً.
لكن القراءة الثانية، والتي لا تقل واقعية، تشير إلى إمكانية توظيف هذا القرار كوسيلة ضغط ضمن خطّة متدرّجة تهدف إلى الدفع باللاجئين نحو العودة "الطوعية"، بغض النظر عن مدى توفر شروط الأمان والكرامة في بلدهم الأم، سورية، التي ما زالت تعاني من أزمات أمنية وسياسية واقتصادية خانقة.
أما القراءة الثالثة، وهي الأعمق، فتتناول القرار في سياق سياسي أوسع، حيث يبدو أن قضية اللاجئين السوريين ما زالت ورقة ابتزاز متبادلة تستخدمها بعض الدول المضيفة للضغط على المجتمع الدولي من أجل الحصول على مساعدات أو تنازلات، وتوظفها قوى سياسية داخلية في لبنان لتعزيز خطابها الشعبوي، بينما تستثمرها أطراف إقليمية ودولية كجزء من حسابات النفوذ والمصالح.
اللاجئ: الغائب الأكبر عن معادلة اتخاذ القرار
وسط هذه التشابكات، يغيب اللاجئ السوري عن طاولة القرار. لا يُستشار، ولا يُحترم حقه في تقرير مصيره أو الحفاظ على كرامته الإنسانية. يتعرض للاعتقال أو الترحيل القسري أحياناً، ويُستخدم كذريعة لبناء خطاب الكراهية وتحميله مسؤولية الانهيار في البلد المضيف، وكأن وجوده هو سبب الأزمة وليس ضحية لها.
القرار بوقف التغطية الصحية ليس إجراءً تقنياً فحسب، بل هو رسالة صريحة بأن النظام الدولي لم يعد قادراً –أو راغباً بالأحرى– في حماية اللاجئ السوري، وأن الاستجابة الإنسانية بدأت تنسحب تدريجياً، تاركة اللاجئ فريسة للخوف والعوز والغموض.
المطلوب مقاربة إنسانية تحترم الكرامة وتُعلي من الحقوق
لا يمكن التعامل مع قضية اللاجئين السوريين في لبنان، أو في أي مكان، كمسألة مؤقتة تُحل بالإجراءات الظرفية أو بالقرارات الإدارية.
فهؤلاء بشر فقدوا منازلهم وأعمالهم وعائلاتهم، ويحتاجون إلى حماية حقيقية، قانونية وإنسانية، إلى أن تتوفر ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى بلدهم.
المطلوب اليوم ليس فقط التراجع عن قرار وقف التغطية الصحية، بل وضع سياسة متكاملة تنطلق من احترام حقوق الإنسان، وتضمن الحد الأدنى من الأمن المعيشي والصحي والنفسي للاجئين، بعيداً عن منطق المساومات السياسية.
شعارات المحافل تُنتهك على أرض الواقع
اللاجئون ليسوا أرقاماً أو عبئاً يُرمى من طرف إلى آخر. هم بشر، لكل منهم قصة، وألم، وأمل. وحين تصبح هذه القصص مجرد أدوات ضغط في لعبة المصالح، يكون العالم قد فقد بوصلته الأخلاقية.
إن استمرار تحويل ملف اللاجئين السوريين إلى ورقة تفاوض وابتزاز يهدد ليس فقط مستقبل هؤلاء اللاجئين، بل يُضعف الثقة بالمنظومة الدولية برمّتها، ويكشف هشاشة المبادئ التي تُرفع شعاراتها في المحافل، بينما تُنتهك على أرض الواقع.