«مادلين» سفيرة الشعوب... تقبض على الاحتلال بالجرم المشهود
ديما النجار ديما النجار

«مادلين» سفيرة الشعوب... تقبض على الاحتلال بالجرم المشهود

أبحرت سفينة مادلين في مطلع حزيران الجاري من ميناء كاتانيا الإيطالي متوجهة إلى غزة رافعة شعار كسر الحصار، وعلى متنها اثنا عشر ناشطاً من جنسيات مختلفة معظمهم شخصيات معروف عالمياً، إضافة إلى كمية رمزية من المساعدات الإنسانية.

سفينة صغيرة وحِمل جلل من الرسائل لكسر الحصار! وبالطبع، كما توقع الجميع وتوقع الناشطون، لم تصل السفينة إلى شواطئ غزة. لم يقتل جيش الاحتلال الناشطين كما فعل مع تسعة من طاقم سفينة مرمرة عام 2010 بل اختطفهم إلى ميناء أسدود، حيث سيضعهم في زنزانات منفصلة ريثما يتم التحقيق معهم وترحيلهم.
مادلين انطلقت هذه المرة قبل أيام قليلة من انطلاق مبادرة المسير الدولي لكسر الحصار عن غزة الذي ينطلق في 12 حزيران من العريش المصرية إلى معبر رفح ممثلاً بوفود 52 بلداً، بينها سوريا ممثلة بحزب الإرادة الشعبية وجمعية الياسمين.


أبعاد الحصار؟


يحاصر الصهاينة أهلنا في غزة، يرتكبون المجازر يومياً، يقتلون الأطفال بالآلاف، يستخدمون التجويع كسلاح، ناهيك عن الإجرام في الضفة الغربية والقدس والاعتداءات على كرامة المسجد الأقصى والمقدسات الدينية.
وعلى مستوى العالم، يدفعون مليارات الدولارات لاستكمال حصارهم العسكري بآخر على مستوى السردية: فهم «الضحية» والجميع كاره لهم و«معاد للسامية»، حتى لو كان يهودياً معادياً للصهيونية، وحماس أفسدت حفلتهم الموسيقية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر!
في البلدان العربية، تساعد الحكومات الفاسدة في هذا الحصار بإجهاض محاولات تنظيم حراك شعبي مقاوم فعال ضد الكيان. وفي الدول الغربية يلاحقون كل من يتحدث عن فلسطين بلقمته وتفاصيل معيشته. كثير من الصحفيين والفنانين، ومعلمي المدارس وموظفي الشركات طردوا وحوصروا لأنهم تضامنوا مع فلسطين.


كسر الحصار!


نحن وطاقم سفينة مادلين نعلم أن كسر الحصار وإنهاء التجويع الذي يفرضه الكيان الصهيوني لن يكون بسفينة متواضعة تحمل ما لا يزيد عن طن من المساعدات لأكثر من مليوني إنسان محاصر في القطاع... فماذا أرادت السفينة أن تقول للعالم؟

البحر لمادلين وللغزيين!


حملت السفينة اسم مادلين تيمناً بمادلين كُلاب وهي أم لأربعة أطفال، تعلمت مبكراً الصيد من والدها، واحترفته بعد استشهاد والدها إثر اندلاع الحرب الصهيونية في تشرين الأول 2023 وباتت رمزاً للمرأة المقاومة التي تؤكد على حق الفلسطينيين في وطنهم وبحرهم وخيراته.

«إسرائيل» كيان مارق


سفينة مادلين مسجلة رسمياً في بريطانيا. وبحسب قانون البحار فإن السفن تحمل علم الدولة المالكة أو المسجلة. عبرت من الشواطئ الإيطالية لتبحر في المياه الدولية متوجهة إلى شواطئ غزة، التي لا يملك الكيان الصهيوني أي شرعية دولية لمنع السفن من الوصول إليه. كل ذلك يجعل عملية الاعتداء على سفينة بريطانية في المياه الدولية دليلاً آخر على هذا الكيان المارق الذي لا يأبه بالقانون الدولي ويعتدي على مواطني الدول الأخرى جميعاً. سيضاف كل ذلك إلى ملف الكيان الصهيوني في المحكمة الدولية. ستتراكم الدعاوى عليه لإجرامه لا بحق الفلسطينيين فقط بل بحق كل الإنسانية.


فلسطين تطرح أسئلة وجودية على العالم



فلسطين فرضت على ملايين البشر سؤال التطبيع مع القتل، إبادة البشر، قتل الأطفال، تجريب الذكاء الصناعي لقتل كل ما يتحرك في أحياء غزة. فارق نوعي حققه بث تفاصيل جرائم الإبادة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل من الصمت موافقة ضمنية على الأسلوب وبالتالي على أن تكون أنت الضحية القادمة عندما تواجه خصماً يدعمه النظام العالمي.
كذلك، طرحت سؤال العنصرية في التمييز بين الضحايا، والفوقية الاستعمارية البيضاء، فطاقم مادلين يطرح إشكالية الامتيازات التي تفضل حامل جواز سفر على غيره وتعكس انعدام العدالة ذات الخلفية الاستعمارية. أراد طاقم مادلين وضع جوازاتهم وامتيازاتهم وشهرتهم في خدمة القضية الفلسطينية. وطلبوا من الجميع أن يتذكر: «لسنا نحن القضية، القضية فلسطين»، مقدمين أنفسهم كجسر لهذي الرسالة. سردية «الضحية» التي يدعيها الكيان الصهيوني ودفع لترويجها مليارات الدولارات في كل المحافل، والمؤسسات الفنية والأكاديمية، تتحطم اليوم. يحاولون تصغير الحدث بالقول إن طاقم مادلين «مجموعة من أجل السيلفي» فيسخر الجميع من قذارة السردية.
دأب الخطاب السياسي النيوليبرالي في السنوات الأخيرة على عزل القضايا السياسية عن بعضها بعضاً. فمناضلو المناخ للمناخ، والنسويون للنسوية، وقضية العدالة في سورية للسوريين ولا علاقة لهذا بذاك... إلا أن أصالة وعمق أي قضية عادلة تقود إلى القضية الأخرى، لأن الأمور مترابطة في الجوهر. ولذلك فإن غريتا تونبرغ، المناضلة من أجل قضايا المناخ، وجدت نفسها إذا تعمقت في قضايا البيئة تلتفت إلى معاداة الرأسمالية ونمطها الاستهلاكي والاستعمار، واعتلت متن سفينة مادلين من أجل فلسطين. فمهما كانت قضيتك العادلة اليوم، سترسو عند فلسطين...
سفينة مادلين، المسير العالمي لكسر الحصار، وقافلة الصمود التي انطلقت من تونس وتضم وفود شمال إفريقيا متجهة إلى معبر رفح، كل هؤلاء يتطلعون لدعم في الميادين في كل بلد وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. كل هذه المبادرات تحفر قبر الاحتلال. فلسطين ليست وحيدة والشعوب ليست عاجزة! ستمر بمرحلة التعارف والتجريب والفعل والتعلم وتطوير الأدوات... حتى التحرير
الحرية لفلسطين... ولشعوب العالم!