لماذا مددت أمريكا العقوبات على سورية حتى 2029؟
سعد صائب سعد صائب

لماذا مددت أمريكا العقوبات على سورية حتى 2029؟

بعد فرار الأسد بأربعة أيام، وبتاريخ 12/12/2024، مددت الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على سورية ضمن ما يعرف بـ«قانون قيصر» لخمس سنوات إضافية، أي حتى عام 2029. ما الذي يعنيه ذلك، وما هي الاستنتاجات الضرورية من هذا القرار؟

 

قبل إيراد الاستنتاجات، نذكر بأنه يمكن التأكد من أنّ العقوبات على سورية تمّ تمديدها بالفعل لمدة خمس سنوات إضافية، من هذه الوثيقة الأمريكة الرسمية التي يمكن تحميلها عبر هذا الرابط، فهي تنص بشكل واضح وصريح على أنّ:
«القسم 7438 من قانون قيصر لحماية المدنيين بسورية لعام 2019 [...] تمّ تعديله عبر شطب "التاريخ الذي هو 5 سنوات بعد تاريخ سريان مفعول هذا القانون" وإدراج "31 كانون الأول 2029"».

snap-of-cesar

فما هي الاستنتاجات الضرورية من هذا القرار؟


أولاً
: تمديد العقوبات بعد فرار الأسد وسقوط سلطته، يعيد التأكيد على ما قلناه مراراً وتكراراً: واشنطن لا تستهدف النظام السوري، بل تستهدف سورية والشعب السوري من خلال عقوباتها، وأولئك الذين ناصروا هذه العقوبات طوال السنوات الماضية، عليهم أن يعوا هذه الحقيقة وأن يكفوا عن التطبيل للأمريكي وسياساته.

 


ثانياً: رغم أن كثيرين تفاجأوا بتمديد العقوبات، إلا أنهم غير محقين إطلاقاً في تفاجئهم؛ فأمامنا تجارب كثيرة للتعلم منها بما يخص العقوبات الأمريكية؛ مثلاً هنالك عقوبات على العراق طبقت أيام صدام حسين، ما تزال فعالة حتى اللحظة، أي بعد 21 سنة من احتلال العراق وانهيار نظام صدام حسين، وأبرزها العقوبات على النفط العراقي، حيث يتم إجبار مشتري النفط العراقي على وضع ثمنه في الفيدرالي الأمريكي، والفيدرالي الأمريكي يتحكم بتحويل ذلك الثمن للحكومة العراقية، ليبقيها تحت رحمته.


ثالثاً: يشير استمرار العقوبات إلى أن الولايات المتحدة، و«إسرائيل»، ليستا راضيتين بما جرى في سورية خلال هذا الشهر، وأنهما مصرتان على استكمال مخططهما ضد سورية، وعنوانه الأساسي هو تقسيم سورية عبر الفوضى الهجينة الشاملة. وإعاقة النهوض الاقتصادي عبر العقوبات هو أداة بيد الأمريكي لإبقاء الناس في حالة يرثى لها، لأن الوضع الاقتصادي الاجتماعي السيئ هو الحطب الأساسي لكل أنواع الفوضى والاقتتال.


رابعاً: بات واضحاً أن الولايات المتحدة كذبت بشكل متواصل بما يخص الهدف من العقوبات؛ فها هو بشار الأسد قد هرب وسقطت سلطته، فما هي الشروط الجديدة التي تطرحها واشنطن؟ أغلب الظن أن المطلوب أمريكياً، كجزء من خطة شاملة، المضي بالاقتصاد السوري نحو مزيد من الانهيار والتبعية، استمراراً لما فعله بشار الأسد بالاستناد إلى رجله الاقتصادي الأول عبد الله الدردري بين عام 2005 و2010... ربما ينبغي التذكير أن ما تمت تسميته «اقتصاد السوق الاجتماعي في حينه»، والذي يتفاخر السيد الدردري بأنه رفع رقم الناتج المحلي الإجمالي في 2010 إلى 62 مليار دولار، هو نفسه الذي زاد نسبة الفقر في سورية من 30% إلى 44% وفقاً لأرقام المكتب المركزي للإحصاء، ودمر جزءاً كبيراً من الإنتاج الصناعي والزراعي والثروة الحيوانية في سورية، نتيجة لرفع أسعار المحروقات وخاصة المازوت في أعوام 2007 و2008، وعملياً جرت إعادة توزيع الثروة عبر إضعاف القطاع العام وإطلاق يد القطاع الخاص، بما في ذلك في قطاعات حيوية... (بالمناسبة، حتى في أوروبا الرأسمالية، ما تزال كثير من القطاعات الحيوية وعلى رأسها الصحة والتعليم، مدعومة بشكلٍ كبير من الدولة، على عكس الوصفات التي يجري تقديمها لنا باسم اقتصاد السوق الحر أو اقتصاد السوق الاجتماعي)... هذا التخريب الاقتصادي الممنهج الذي تمت ممارسته في سورية بين 2005 و2010، كان واحداً من أساسات الانفجار الذي جرى في سورية، واليوم يبشرنا الأمريكي، وعبر الأمم المتحدة، بأن الدردري ينوي العودة لسورية لاستكمال ما بدأه...


أخيراً: كل هذا من شأنه أن يضع أمام السوريين خريطة واضحة لنوايا الأمريكي و«الإسرائيلي»، ومن شأنه أيضاً أن يجعل من المطالبة برفع العقوبات عن سورية مطالبة جامعة لكل السوريين، وبالتوازي معها ينبغي رفض إعادة النظام السابق من الشباك عبر سياسات الدردري وأمثاله، كما يجب فتح الباب للاستفادة من التوازن الدولي الجديد لتنفيذ إعادة إعمار حقيقية للبلاد، وليس على طريقة السوليدير اللبناني...

آخر تعديل على الجمعة, 27 كانون1/ديسمبر 2024 20:43