هل نحن أمام «فرصة تاريخية» لحل القضية الكردية؟
سعد صائب سعد صائب

هل نحن أمام «فرصة تاريخية» لحل القضية الكردية؟

تعود الجذور الأولى لتشكل القضية الكردية في منطقتنا إلى اتفاقية سايكس بيكو 1916 واتفاقية لوزان 1923. ورغم أن هذه القضية لم تتبلور بالقدر نفسه، وبالكثافة نفسها، في البلدان الأربعة لوجود الشعب الكردي (تركيا، إيران، العراق، سورية)، إلا أنها واحدة من القضايا الأساسية في كل من هذه البلدان على حدة، وهي في الوقت نفسه قضية أساسية للبلدان الأربعة مجتمعة.

ضمن 100 عامٍ مرت، وبالاستناد إلى التاريخ قديمه وحديثه، فإن ثلاث نقاط أساسية يمكن تسجيلها بما يخص القضية الكردية في منطقتنا، هي التالية:

أولاً: إن عملية تقسيم منطقتنا بيد الاستعمار الغربي ووفقاً لمصالحه، قد تركت بشكلٍ مقصود عدداً كبيراً من المشكلات والنزاعات، ابتداءً بالنزاعات الحدودية، ووصولاً إلى القضية الكردية نفسها التي جرى تركها كجرحٍ مفتوحٍ وكفتيل إشعالٍ، يجري اللجوء إليه كلما تطلبت احتياجات المستعمر.

ثانياً: القارئ لتاريخ منطقتنا القديم، يمكنه أن يخرج باستنتاج واضح هو أن وزن هذه المنطقة لم يكن مؤثراً وقوياً في الساحة الدولية إلا في تلك الفترات من التاريخ التي اتخذت فيها شكلاً اتحادياً ضمن إمبراطوريات كبرى، سواء كانت عربية أو فارسية أو تركية، مع وجود جوامع ثقافية واقتصادية عامة تربطها ببعضها البعض؛ جوامع تتأسس على كون هذه المنطقة بالأساس، تشكل بالمعنى الجيوسياسي، إقليماً اقتصادياً سياسياً ثقافياً واحداً. تسمح قراءة التاريخ أيضاً باستنتاج آخر ملازم للسابق، هو أن هذه المنطقة بأسرها كانت ضعيفة وموضع تأثيرات خارجية، في تلك الفترات من التاريخ التي كانت فيها مقسمة ومتنازعة فيما بينها، وأوضح الأمثلة التاريخية الملموسة، هو وضعها خلال المئة عامٍ السابقة.

ثالثاً: إن تشكل الدول الوطنية/القومية خلال مرحلة الاستقلال السياسي عن الاستعمار الغربي، لم يتطور إلى مرحلة استقلال كامل سياسي واقتصادي، بل وانتكس عملياً وصولاً إلى فقدان هذه الدول أجزاءً من استقلالها السياسي والاقتصادي، وإنْ بدرجات متفاوتة، وخاصة بعد تشكيل الكيان الصهيوني في المنطقة، وبدئه بممارسة دوره التخريبي والتوسعي.

بالعودة إلى اللحظة الراهنة، وإنْ أردنا أخذ الحكمة من فم أحد أشهر المجانين في منطقتنا، وهو نتنياهو، إذاً لوافقناه على أن «الشرق الأوسط» ذاهب باتجاه تغيير جذري، ليس لأنه يرغب بذلك، بل لأن العمر التاريخي الافتراضي لشكل الشرق الأوسط الحالي قد انتهى، وباتت عملية التغيير الجذرية أمراً لا مفر منه...

 

مفترق طرق!

هنالك مفترق طرقٍ حادٍ بين اتجاهين كبيرين تسير منطقتنا بأسرها نحو أحدهما؛

الاتجاه الأول: هو اتجاه التفتيت والتدمير الشامل ضمن الفوضى الهجينة الشاملة الأمريكية-الصهيونية. عنوان هذا الاتجاه هو انتصار ساحق وشامل لواشنطن وكيانها على كل شعوب ودول المنطقة، ليس فقط عبر الإجرام «الإسرائيلي» ضد الشعوب ومقاوماتها، ولكن أيضاً عبر تفعيل التناقضات الداخلية وتفجيرها، الطائفية والدينية منها، (كما جرى في العمل على «الفالق السني-الشيعي» سابقاً، وعبر استخدام داعش وأشباهها)، وأيضاً القومية، والتي يجري استخدام المسألة الكردية بشكلٍ حثيث ضمنها، لتفجير كل من تركيا وإيران والعراق وسورية، وبما يمهد الطريق للصهيوني والأمريكي لبسط سيادته فوق ركام المنطقة وجثامين شعوبها كلها بلا استثناء، بما في ذلك الشعب الكردي.

حلفاء هذا الاتجاه هم تجار الحروب والفاسدون الكبار في عموم منطقتنا، والذين تحولوا مع الوقت إلى خدمٍ وظيفيين للأمريكي وللصهيوني، والذين يستخدمون المسائل القومية بطريقة متعصبة شوفينية، وليس وفق المنطق الطبيعي للإخاء بين شعوب منطقتنا، ومصلحتها المشتركة... هؤلاء موجودون في كل مكان تقريباً، داخل الأنظمة في منطقتنا وداخل الأحزاب وفي المجتمع، وورقة عباد الشمس التي تكشفهم هي موقفهم العملي الحقيقي لا اللفظي، من الأمريكي والصهيوني.

الاتجاه الثاني: هو الاتجاه الاتحادي، الذي يسعى لإنهاء النفوذ الأمريكي والصهيوني في منطقتنا، ويسعى لحلول سلمية للمشاكل الداخلية لشعوب منطقتنا، على قاعدة احترام الجميع للجميع وعلى قاعدة الحقوق والواجبات، وضمن استفادة قصوى من توازن القوى الدولي الجديد، وخاصة الهامش الواسع الذي يتيحه الصراع العالمي باتجاه «تعددية قطبية»، تكون منطقتنا فيه قطباً قوياً بذاتها، وليس تابعاً لأي قطب من الأقطاب. ناهيك عن البعد الأعمق بالمعنى التاريخي لعملية التخلص من الاستعمار بشكله الحديث الاقتصادي، بما يعنيه ذلك من فتح الباب على نمط اقتصادي اجتماعي جديد بالكامل، داخل منطقتنا وفي العالم بأسره.

حلفاء هذا الاتجاه الأساسيون هم شعوب المنطقة، ويتقاطعون في مصلحتهم هذه، وإنْ مرحلياً، مع أولئك الذين يشعرون بالخطر يهددهم بشكل مباشر ويهدد هياكل دولهم وأنظمتهم، ولديهم الاستعداد والجرأة لأخذ الخيارات التاريخية الصحيحة.

 

فرصة تاريخية؟

ضمن هذا الفهم العام، لعملية إعادة التشكل على المستوى العالمي، وعلى مستوى منطقتنا، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن مركز ثقل القضية الكردية، بشرياً وسياسياً، كان دائماً موجوداً في تركيا، فإن ما نراه من مبادرات ومؤشرات سياسية خلال الشهر الماضي، يسمح بالبناء عليه، ويسمح بفتح أفق التفكير نحو بلورة خطة عامة متدرجة لكيفية إعادة بناء منطقتنا على أساس سيادة دولها من جهة، وعلى أساس سيادة وإخاء شعوبها، بالتوازي مع التفكير بشكلٍ أوسع نحو تعاون اتحادي يتم ضمنه استيعاب وحل مختلف أنواع النزاعات والمشاكل، وعلى رأسها التصدي للتهديد الأمريكي/الصهيوني...