الصين والاتحاد الأوروبي: هل تدق الحرب التجارية الأبواب؟
رغم التصريحات التي تشير إلى عكس ذلك، يتجه الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد نحو تقييد العلاقات التجارية مع الصين. وليس السبب وراء ذلك دعم الصين لروسيا في الحرب المستمرة التي تدعمها الولايات المتحدة وحلف الناتو في أوكرانيا فحسب، بل أيضاً الضغط الذي تمارسه واشنطن على الاتحاد الأوروبي «لتنظيم» علاقاته التجارية مع الصين من أجل الحد من صعود بكين عالمياً وحماية مصالح واشنطن.
في جوهر هذه القيود يكمن فشل نخب الغرب في المنافسة بنجاح، أو حتى بشكل ما، مع النموذج الاقتصادي الصيني الذي يعتمد على دور قوي للدولة. لهذا، يكثر الحديث في الإعلام اليوم عن احتمال اشتداد الحرب التجارية للاتحاد الأوروبي ضد الصين، عازياً ذلك إلى «الانتصارات الأخيرة للأحزاب اليمينية المتطرفة» في أوروبا. وبناءً على هذا الزعم، يجري ترويج فكرة مفادها أنه إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة، فقد «يتحد اليمين المتطرف الأوروبي مع اليمين الأمريكي لبناء كتلة تجارية معادية للصين».
حرب الاتحاد الأوروبي التجارية ضد الصين
تُعرف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بموقفها المعادي للصين. وقد أُعيد انتخابها مؤخراً لقيادة الاتحاد الأوروبي كرئيسته حتى عام 2029. خلال ولايتها السابقة، تم تطوير العديد من الأدوات القانونية «لمراقبة» و«تنظيم» العلاقات التجارية مع الصين، ويسير معظمها على الخطوط ذاتها المعمول بها في الولايات المتحدة. وإحدى هذه الأدوات هي «تنظيم الإعانات الخارجية» الذي بدأ تطبيقه على التجارة مع الصين واستثماراتها اعتباراً من 12 تموز 2023. والهدف المعلن من هذا التنظيم هو ضمان «المنافسة العادلة» من خلال منع «المزايا غير المبررة» التي تحصل عليها الشركات الصينية المدعومة حكومياً في السوق الأوروبية، مما يمنحها تفوقاً على الشركات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تمنح «أداة المشتريات الدولية» – التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2022 – المفوضية الأوروبية السلطة لعرقلة الاستثمارات من الشركات التي تمولها حكومات غير أوروبية واستبعادها من عقود المشتريات إذا كانت أسواقها المحلية مغلقة أمام الشركات الأوروبية. وجرى هذا بالتوازي مع قيام الصين نفسها بتمرير قوانين لفتح جوانب من اقتصادها للمستثمرين الأجانب.
ما الذي يعنيه ذلك للنمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي؟
تشير التقارير إلى أن هذه «الحرب» على الصين لن تجلب أي فوائد ملموسة لأوروبا. ففي الواقع، أدت القيود بالفعل إلى انخفاض ملحوظ في الاستثمارات الصينية في أوروبا، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2010. وإذا استمر هذا الاتجاه، فسوف يزداد الوضع الاقتصادي سوءاً في أوروبا التي كانت تعاني من الركود على مدار العقد الماضي. فهل ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستمر في استهداف الصين؟ لا يبدو أن لهذا القرار أي معنى. ولا سيما إذا أخذنا بالاعتبار ما يلي:
تعتمد أوروبا في استيراد بعض المواد الحيوية على الصين بنسبة تصل إلى 90% أو أكثر، بما في ذلك الأدوية والكيماويات والمواد الخام. بالإضافة إلى ذلك، فإن اعتماد الاتحاد الأوروبي على الصين في مواد ومنتجات أخرى مثل المغنيسيوم، والمغناطيسات الدائمة، والخلايا الكهروضوئية، وبعض المضادات الحيوية والهرمونات ليس له بدائل في العالم كله. وإذا استمر الاتحاد الأوروبي في اتباع خطى الولايات المتحدة بشكل أعمى، فسوف يلحق أضراراً لا يمكن تصورها بمصالحه الاقتصادية.
فهل ستضر أوروبا بنفسها؟
لا يمكن اعتبار هوية الشخص الذي يتولى رئاسة المفوضية الأوروبية أو نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة هي العامل الحاسم بحد ذاتها، إلا بوصفها انعكاساً لاتجاهات النخب الحاكمة الحقيقية في كلا المنطقتين.
المسألة الأكثر أهمية هي مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستمرار في تعريض مصالحه الوطنية والاقتصادية للخطر بسبب تبعيته للولايات المتحدة وإملاءاتها. والسؤال الذي ينبغي طرحه هو: إلى أي مدى يمكن للاتحاد الأوروبي تحمل هذه التبعية والتنازل الذي يضرب بشدة مفاصل الاقتصاد الأوروبي؟
يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الصين في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والمواد الخام والأدوية، وأي تصعيد في التوترات مع الصين سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بالفعل في أوروبا. وعليه، فإن التصعيد المستمر والتوجه نحو قيود تجارية مع الصين لن يؤدي إلا إلى إضعاف الاقتصادات الأوروبية أكثر، خاصة في ظل الركود الذي يعاني منه الاتحاد منذ سنوات.