حول «الإجماع الإسرائيلي» على العدوان على لبنان؟
يمكن لمن يتابع القنوات الإعلامية الأساسية التي تغطي المعركة الجارية، بما فيها تلك التي تلعب أدواراً متناقضة إلى هذا الحد أو ذاك، أن يلحظ أنه منذ تم إعلان بدء «العمل البري» ضد لبنان وحتى الآن، تتكرر بشكل كبير مقولة أساسية هي أن هنالك «إجماعاً شعبياً» في الكيان على ضرورة هذه المعركة، وأن التناقضات السياسية الداخلية ضمن الكيان تتراجع بشكلٍ كبيرٍ حين يكون الحديث هو عن لبنان وحزب الله، بمقابل استمرار التناقضات بما يخص العدوان على غزة، حيث تنقسم الآراء بين من يرون أنه لا معنى لاستمرار المعركة، وبين من يرون أنه ينبغي استكمالها حتى النهاية.
تستند التحليلات التي تقولها هذه القنوات، والتي يقولها المحللون الذين يظهرون على شاشاتها إلى استطلاعات الرأي العام التي تجريها مراكز أبحاث ومؤسسات ضمن الكيان بشكلٍ دوري، على عينات متعددة ضمن المستوطنين.
العيب الأساسي في طريقة عرض نتائج هذه الاستطلاعات، يكمن في نقطتين على الأقل:
أولاً: تسقط من حسابات المحللين، عن جهل أو عمد، المقارنة الضرورية بين هذه الاستطلاعات وتلك التي أجريت مع بدايات العدوان على غزة؛ ففي هذه الأخيرة أيضاً أظهر المستوطنون في البدايات ميلاً عاماً جارفاً باتجاه تأييد المعركة وتأييد الإبادة الجماعية... ولكن مع تقدم الأيام، ومع اشتداد ضربات المقاومة، سرعان ما تشتت الرأي العام وانقسم وصولاً إلى ارتفاع نسبة من يريدون إنهاء الموضوع عبر تبادل أسرى على أولئك الذين يريدون متابعة الحرب.
ثانياً: تسقط من حسابات المحللين أيضاً، رؤية الأمور في حركتها؛ أي ليس فقط القياس على ما جرى في غزة وتحولات الرأي العام التي جرت، بل وأيضاً غياب آليات الاستقراء المنطقي التي تؤدي إلى نتائج واضحة، على رأسها أن الانقسام داخل كيان العدو سيزداد حدةً مع كل ضربة جديدة من ضربات المقاومة، ومع كل يومٍ إضافي ضمن عملية الاستنزاف الجارية... والوحدة الشكلية التي يجري تقديمها سواء من الحرب على لبنان أو غيرها من القضايا، سرعان ما ستتلاشى وتنقلب إلى تناقضات أشد وأعنف من التناقضات السابقة...
وربما ينبغي أن نضيف في قراءة استطلاعات الرأي أمراً مهماً هو من «الخواص الفريدة» للمجتمع الاستيطاني الصهيوني (وهو ميزة مشتركة مع كل مجتمعات الاستيطان الاستعماري عبر التاريخ): ما يمكن أن يوحد المجتمع الاستيطاني هو الانتصارات فقط، وخاصة منها الأكثر دموية ووحشية... (لذلك قفزت مؤشرات "وحدة المجتمع الإسرائيلي" بعد سلسلة الضربات الناجحة التي تم توجيهها للمقاومة في لبنان)، أما مع الضربات والآلام، فإن هذه الوحدة، ينفرط عقدها بسرعة هائلة، لأن «المجتمع الاستيطاني»، هو تكثيف عالٍ لكل قيم النفعية والفردية الرأسمالية، حيث ينتمي الفرد إلى مجتمع ما بقدر ما يستفيد من ذلك المجتمع، وبكلمة أوضح، بقدر ما يربح... أما في الخسارة، فكل فرد يبحث عن خلاصه الفردي...
على العكس تماماً من ذلك، فإن المجتمعات المتجذرة في أرضها، وخاصة تلك الواقعة تحت نير الاستعمار وعدوانه، فإن الضربات تزيدها وحدة وإصراراً على خلاصها الجماعي، والذي لا بديل لها عنه...
بكل الأحوال، فإن الوقائع المتسارعة تجيب بنفسها... هل تابع المحللون إياهم استطلاعات الرأي بعد مسيرة بنيامينا؟ عليهم فعل ذلك وتوقع نتائج أكثر تعبيراً عن الانقسام في قادم الأيام...