الاحتلال والمقاومة و«الدروع البشرية»!

الاحتلال والمقاومة و«الدروع البشرية»!

يكرر مسؤولو الاحتلال وإعلامه، وكذا الإعلام الغربي، والقسم من الإعلام «العربي» المؤيد للاحتلال، أسطوانة استخدام حماس، والآن حزب الله، للمدنيين كـ«دروع بشرية». ويحاولون التدليل على ذلك باختراع الأكاذيب حول تخرين المقاومة لأسلحتها في بيوتٍ مدنية، بما في ذلك عبر إخراجٍ إعلامي شديد الرداءة من طراز المؤتمرات الصحفية للمتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، الذي باتت مؤتمراته مثالاً تدريسياً عن كيف يتم استخدام تقنيات «المونتاج» بأسوأ شكلٍ ممكن.

ليس من الصعب أن يستنتج المرء أن المطلوب من الإصرار على أكذوبة استخدام المقاومة المدنيين «دروعاً بشرية»، إنما هو تبرير قتل هؤلاء المدنيين، وبأعداد كبيرة؛ فحين يدعي الاحتلال أن بيوتاً مدنية كثيرة في جنوب لبنان تحوي مخازين سلاح، فإنه يقول بكلامٍ آخر: سندمر تلك البيوت، وليس تلك البيوت فحسب، بل وكل البيوت على الإطلاق. وهذا ما رأيناه فعلياً في غزة، وما بدأنا نراه في عدد غير قليل من قرى الجنوب اللبناني والبقاع، إضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.

الهدف الواضح والمباشر من التلطي وراء مقولة «الدروع البشرية» هو الوصول إلى تهجير سكان مناطق بأكملها عن بكرة أبيها، ليس فقط في سياق التمهيد لعملية اجتياح بري واسع يسعى العدو لتنفيذها، ولكن ربما أهم من ذلك، في إطار الضغط على المدنيين أنفسهم وترهيبهم على أمل أن ينقلبوا على خيار المقاومة وأن يرفعوا الرايات البيضاء أمام التوحش «الإسرائيلي».

بكلامٍ آخر، فإن ما يختفي تحت الحديث عن «الدروع البشرية» هو «إرهاب الدولة» الذي يمارسه الكيان على نطاقٍ واسع، وبشكلٍ مطابق تماماً لتعريف الإرهاب، بوصفه أعمالاً وحشية هدفها الضغط على السكان المدنيين عبر تخويفهم وقتلهم كي يتخذوا اتجاهاً سياسياً مغايراً للاتجاه الذي يتبنونه.
أضف إلى ذلك، أن كيان الاحتلال يشبه في تكوينه ثكنة جيش، بما في ذلك في المدن الكبرى مثل حيفا ويافا والقدس؛ حيث مخازن الأسلحة والرادارات والدفاعات الجوية ومنصات الإطلاق وقطع الجيش والتجهيزات العسكرية والأمنية، مزروعة في كل شارع تقريباً من هذه المدن... هل يعتبر ذلك استخداماً للمدنيين كدروع بشرية؟ ربما في الحالة «الإسرائيلية» تحديداً، يصعب قول ذلك، لأنه بالكاد تستطيع أن تحدد مفهوم «المدني» ضمن مجتمع يتحول بشكلٍ متعاظم نحو ثكنة عسكرية وظيفتها الوحيدة هي الحرب...