من «سورنة» النصرة إلى «أكرنتها»!
عماد طحان عماد طحان

من «سورنة» النصرة إلى «أكرنتها»!

تحدثت تقارير إعلامية متعددة خلال الأسبوع الماضي عن خبرين يتعلقان بتعاونٍ استخباري وعسكري بين جبهة النصرة والقوات الأوكرانية؛ مضمون الخبر الأول هو اتفاق بين الطرفين على إرسال الأوكران طائرات مسيرة للنصرة مقابل إرسال هذه الأخيرة لمقاتلين إلى جبهات القتال في أوكرانيا، وخاصة من أولئك القادمين أصلاً من الفضاء السوفياتي السابق (وهؤلاء يملكون ثلاث ميزات نوعية مقارنة بمرتزقة آخرين يجري استجلابهم من بقاع شتى للقتال إلى جانب الأوكران؛ خبرة قتالية طويلة، استعداد أيديولوجي للقتال ضد الروس، ومعرفة جيدة أو ممتازة باللغة الروسية، والتي من شأنها مساعدتهم على التفاهم بسرعة والانصهار ضمن الوحدات الأوكرانية المقاتلة، التي تعرف جميعها اللغة الروسية جيداً).

الخبر الثاني تحدث عن وصول 250 خبيراً أوكرانياً في تشغيل وصناعة الطائرات المسيرة (الدرونات)، إلى إدلب، وتوزعهم على مجموعة من الورش في مدينة إدلب وضواحيها، لتدريب عناصر النصرة على تصنيع واستخدام تلك الطائرات، وذلك مقابل إرسال النصرة لمقاتلين من صفوفها إلى أوكرانيا.

ولعل بين الأمور اللافتة في هذه المسألة، هو أنه وقبل التقارير الروسية والتعليقات الرسمية الروسية حول الموضوع، كانت قد ظهرت عدة تقارير تركية حوله، وأن التصريحات الروسية الرسمية استندت -إلى حد بعيد- إلى تلك التقارير، إضافة إلى معلومات استخبارية روسية وتركية.

إذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى أواخر عام 2022 وبدايات 2023، يمكننا أن نعثر على تقارير متعددة أثبتت انخراط عناصر من داعش في القتال إلى جانب الأوكران، بما في ذلك صور وفيديوهات متعددة أظهرتهم بشكل واضحٍ، بشعاراتهم ورموزهم، جنباً إلى جانب مع المقاتلين الأوكران، وخاصة ضمن مجموعات آزوف النازية المتطرفة.

ما يعني أن هذا النوع من «التعاون» بين إرهابيين «عالميين» عابرين للقارات، ليس بالأمر الجديد، وليس بالأمر المستغرب... ومع ذلك، فإن حدوثه الآن بهذا الشكل، وبين النصرة والجيش الأوكراني، يحمل دلالات متعددة تتعلق بكل من سورية وأوكرانيا و«الإرهاب العالمي» على حد سواء...

بين هذه الدلالات ما يلي:

أولاً: يقدم هذا «التعاون» دليلاً مادياً ملموساً على المفهوم الحقيقي للإرهاب، بوصفه أداة أساسية بيد رأس المال المالي الإجرامي العالمي، وذلك في افتراق عن محاولات الغرب المتواصلة في تحويل الإرهاب كمفهوم إلى أمرٍ مرتبطٍ عضوياً بالتطرف الإسلامي؛ فما نراه في هذا التعاون هو الاندماج والتعاون بين نمطين أيديولوجيين، يبدوان متعارضين كل التعارض (في مثال آزوف على ضفة، وداعش والنصرة على ضفة مقابلة)... والحقيقة أن الرداء الأيديولوجي لكل منهما، ليس أكثر من مظهرٍ خارجي يجري استخدامه وتبديله وتطويره وفقاً لمتطلبات المهمات المطروحة في نقاط الصراع المختلفة حول العالم.

ثانياً: نقطة الوصل الأساسية بين أشكال الإرهاب المختلفة، بمختلف تمظهراته وأيديولوجياته ورموزه، سواء كانت تطرفاً إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً أو نازياً جديداً، هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي و«بالمصادفة البحتة»، تتفق كل أشكال الإرهاب في العمل الميداني ضد أعداء وخصوم واشنطن، وتنأى بنفسها عن أي عمل ضد المصالح الأمريكية أو الصهيونية.

ثالثاً: في إطار أكثر محلية، يمكن أن نسترجع العمل الأمريكي خلال أكثر من 5 سنوات متواصلة على «سورنة النصرة»، بمعنى محاولات تحويلها إلى طرفٍ سياسي سوري، ورفع صفة الإرهاب عنه، ليلعب الدور المطلوب منه أمريكياً، وخاصة في العمل ضد أستانا ومنع تطبيق الاتفاقات التي تصوغها. الانخراط المباشر الذي نراه الآن في التعاون بين النصرة والأوكران، وبرعاية أمريكية في أغلب الظن، ينسف ضمناً، كل محاولات «سورنة النصرة»، وينسف حتى موضوع النصرة كـ«إرهابٍ محلي»، معيداً إياها إلى حقيقتها، كإرهاب ذي منشأ دولي وأهداف دولية... وبالنتيجة، فهو يعيد وضع مهمة تصفيتها على الطاولة، وبشكلٍ مُلِحّ أمام ثلاثي أستانا.

رابعاً: ليس من الصعب فهم هذا النمط من التحركات في الإطار السوري؛ فالموضوع الأكثر إلحاحاً على الطاولة منذ أشهر، إنْ لم نقل منذ سنتين، هو موضوع التسوية السورية التركية بوصفها جزءاً من سلة الحل الشامل المتمثل بتطبيق القرار 2254 بالتوازي مع انسحاب القوات التركية؛ ولذا فإن تقوية النصرة بكل شكل ممكن هذه الأيام، هي أداة أساسية في تعقيد الوصول إلى هذه التسوية التي من شأنها إضعاف الوزن الأمريكي الإجمالي في سورية.

خامساً: ليس من الصعب أيضاً، فهم حجم النقص والحاجة لدى القوات الأوكرانية على المستوى البشري ضمناً، وخاصة بعد مغامرة كورسك التي أحرقت حتى الآن ما يصل إلى 15 ألف مقاتل أوكراني، هم بقسم أساسي منهم من قوات النخبة.

بالمحصلة، فإن «وحدة الساحات» باتت الشعار السائد ليس فقط على ضفة من يقاوم الأمريكان والصهاينة، بل وعلى ضفة الأمريكان والصهاينة أنفسهم، في مشهد يشابه الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، ولكن على نطاق أكثر اتساعاً، وفي عدد أكبر من النقاط حول العالم...