روسيا ومجلس التعاون الخليجي... حوار استراتيجي
مع تغير اتجاهات الرياح العالمية شرقاً لم تستطع دول الخليج العربي أن تبقى خارج قوسين، فها هي تعزز علاقاتها مع روسيا بطريقة غير مسبوقة بعدما عززت علاقاتها مع الصين وأصلحت علاقاتها مع إيران، لكن المستويات التي وصل إليها الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي تشي بعمق أكبر من المتوقع بكثير.
فتبعية الخليج في التاريخ الحديث للغرب، التي راهنت عليها الولايات المتحدة دوماً أصبحت اليوم عرضة للاهتزاز دون أدنى شك، وخاصة أن دول مجلس التعاون تعرف من أين تؤكل الكتف، في المجال الاقتصادي حتماً وفي التوازنات الدولية الجديدة، حيث تحجز لنفسها موقعاً متقدماً في الترتيبة الجديدة عبر بريكس مثالاً.
حيث عقدت دول مجلس التعاون الخليجي في التاسع من أيلول الجاري، في الرياض اجتماع المجلس الوزاري الـ161 لمجلس التعاون الخليجي، وثلاثة اجتماعات وزارية مشتركة بين مجلس التعاون مع كل من روسيا والهند والبرازيل. وعقد على هامشه الاجتماع الوزاري المشترك السابع للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وروسيا الاتحادية، بحضور سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية.
وذلك في إطار حرص دول المجلس على استكشاف وفتح آفاق جديدة للتعاون من جهة، وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الدول والمنظمات في العالم من جهة أخرى.
وشدد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي، على الأهمية الكبرى التي توليها دول الخليج للتعاون مع روسيا، والتي تعكس العلاقات التاريخية والاستراتيجية الهامة، حيث العمل على تسريع وتيرة تنفيذ خطة العمل المشترك (2023–2027) التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع الوزاري السابق الذي عُقد في موسكو في تموز 2023.
هذا الحوار الاستراتيجي الذي تأسس بموجب مذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها في أبو ظبي في تشرين الثاني 2011، واستكمالاً للجهود الحثيثة التي يبذلها الجانبان لتقوية أواصر العلاقات الصديقة بينها بما يحقق تطلعاتهم.
حيث يمثل هذا الحوار منصة دائمة على المستوى الوزاري لتبادل وجهات النظر حول أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك بما فيها مهدّدات الأمن الإقليمي والعالمي من جانب، وبحث سبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات لخدمة المصالح المشتركة من جانب آخر.
ويعد الاجتماع بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي اجتماع قطبين عالميين في حقبة ما بعد الأحادية القطبية.
إذ التقت روسيا ودول المجلس في الرياض لبحث العلاقاتِ الثنائية والملفات الدولية التي للجانبين تأثيرٌ فيها، وعلى رأسها الأوضاع في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. وانفضُّ الاجتماع على توافق في الرؤى بشأن ضرورة العمل على منع اتساع الحرب في المنطقة والدعوة لحل الأزمة الأوكرانية سياسياً.
من المفيد، دون أدنى شكٍّ، الوصول إلى هذا المستوى من الحوار بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، نظراً للثقل الذي يمثلونه على مستوى العالم. لكن كيف ينعكس هذا الحوار على الملفات المشتركة؟ تحديداً حين يتمحور الحديث حول القضية الفلسطينية والأزمة الأوكرانية. وما هو مستقبل العلاقات الروسية الخليجية في ظل التقارب الحاصل، والعمل المشترك في المنظمات الدولية وعلى رأسها بريكس؟
وقد بحث الاجتماع الوزاري الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة الأوكرانية، ومجموعة واسعة من القضايا المطروحة على جدول الأعمال الإقليمي والدولي، بما في ذلك تعزيز الأمن في منطقة الخليج، وتسوية الأزمات، وتنسيق التعاون في سوق النفط والغاز.
كما ناقش رؤساء الوفود، الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع في غزة وسورية واليمن وليبيا.
وأعربت روسيا ودول الخليج عن أملها في أن تتجنب أطراف الصراع اليمني استئناف المواجهة المسلحة، وأن تبدأ في وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة. وجاء ذلك في بيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية عقب جلسة الحوار الاستراتيجي، إذ قالت الوزارة في بيانها: «عند النظر في الوضع في اليمن، اتفق المشاركون في الجلسة على أهمية ضمان سلامة الملاحة البحرية الدولية. وفي الوقت نفسه، تم التأكيد على ضرورة حل هذه المشكلة بالوسائل السياسية والدبلوماسية حصراً. وتم الإعراب عن الأمل في أن تتمكن أطراف النزاع اليمني من تجنب استئناف المرحلة النشطة من المواجهة المسلحة والبدء في تنفيذ خارطة الطريق لتسوية سياسية داخلية تحت رعاية الأمم المتحدة».
وأشارت الوزارة الروسية إلى أن المشاركين في الجلسة، اتفقوا على عقد الجولة الثامنة من المباحثات في إطار الحوار الاستراتيجي بين روسيا الاتحادية ودول مجلس التعاون الخليجي عام 2025 في روسيا.
كما أكد لافروف: «لقد أصبح الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية كبرى، وروسيا تعمل مع جميع الأطراف للحيلولة دون ذلك. وعدم قدرة المجتمع الدولي على وقف القتال في قطاع غزة، ووقف القتل الجماعي للسكان أدى إلى تدهور حاد في الوضع السياسي والعسكري بجميع أنحاء المنطقة: من حدود لبنان و(إسرائيل) إلى البحر الأحمر».
وأكد لافروف في كلمته أمام الاجتماع أن السلام في الشرق الأوسط «مستحيل دون حل القضية الفلسطينية».
وشدد لافروف على أن تعاون روسيا مع مجلس التعاون الخليجي يعد من أولويات السياسة الخارجية الروسية، وأوضح أن تطوير العلاقات مع الدول المتقدمة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والتجارة والعلاقات الدولية تعد أولوية هامة حقاً بالنسبة لروسيا.
كما بحث لافروف مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه في الرياض، القضية الفلسطينية وأوضاع المجتمعات المسلمة في العالم.