التعليم الجامعي وسياسات نبذ وتطفيش المفقرين!
ألحقت وزارة التعليم العالي قرار زيادة رسوم التسجيل في نظام التعليم الموازي العام المأجور للعام الدراسي 2024-2025 بقرار آخر يقضي بزيادة رسوم التسجيل في نظام التعليم العام المفتوح، مع زيادات على بقية الرسوم الخاصة بهذا النظام التعليمي المأجور، وبقرار إضافي يقضي بزيادة على رسوم السكن الجامعي أيضاً!
وبحسب مصادر رسمية في وزارة التعليم العالي، نقلاً عن صحيفة الوطن، فإنّ: تعديل الرسوم الجامعية لهذا العام جاء بسبب ارتفاع كلف العملية التدريسية والامتحانية، إضافة إلى كل الخدمات المقدَّمة، ولا سيّما الارتفاع الكبير في أسعار الورق وغير ذلك من المستلزمات.
التبرير الرسمي أعلاه بخصوص ارتفاع الكلف يبدو محقّاً بشكل نسبي، لكن من غير المحق أن تكون جيوب الطلاب هي مصدر الجباية لتغطية هذا الارتفاع، وبنسب زيادة كبيرة وغير منطقية على الرسوم المقتطّعة على حساب ضروراتهم وضرورات ذويهم الحياتية، بظل الوضع المعيشي المتردّي السائد وصعوباته الكبيرة!
فالزيادة على رسم المقرر للمرة الأولى في التعليم المفتوح ارتفع بنسبة 150% دفعة واحدة بموجب القرار الأخير، حيث كان بمبلغ 10000 ليرة وأصبح بمبلغ 25000 ليرة، وتزداد الكارثة بالنسبة للطلاب عند التسجيل على المقرر للمرة الثانية بمبلغ 35000 ليرة، أو الثالثة بمبلغ 45000 ليرة خلال حياتهم الجامعية، وصولاً الى مبلغ 50000 ليرة لكل مقرر بالنسبة للمستنفدين، وهي حالات ليست استثنائية كما يظن البعض!
فإعادة التسجيل على المقررات لمرة واثنتين وثلاث مرات أمرٌ طبيعيٌّ جداً في نظام التعليم المفتوح، وذلك لسبب بسيط مرتبط بشكل ونموذج التعليم نفسه المقيد بمحاضرات محصورة بيومي الجمعة والسبت من كل أسبوع فقط، هذا بحال التقيد بهذا النموذج، والأهم بنسب النجاح المتحكَّم بها والمسقوفة غالباً، بمعزل عن إمكانيّات الطالب وكفاءته!
فنظام التعليم المفتوح المأجور، وبعيداً عن كل الملاحظات التي يمكن إيرادها بشأنه، يبدو أنه أصبح مصدر تمويل رئيسي للجامعات، وبوابة جباية مشرعة من جيوب الطلاب بأعدادهم الكبيرة المسجلة فيه كل عام!
ولعل ما يدل على ذلك هو قرار إضافي صدر هذا العام عن وزارة التعليم العالي أيضاً يقضي بإلغاء شرط مرور سنتين على الشهادة الثانوية للتسجيل في نظام التعليم المفتوح، حيث بات من الممكن التقدم للمفاضلة الخاصة به سواء كانت الشهادة قديمة أو حديثة، وبالتالي فالنيّة الوزارية باتت واضحة بالرغبة في زيادة أعداد المتقدمين للتسجيل بنظام التعليم المفتوح هذا العام، ومن ثم بأعداد المقبولين في هذا النظام التعليمي المأجور، أي مزيدٌ من الأموال المجباة من جيوب الطلاب بالنتيجة!
أما بالنسبة لزيادة رسم السكن الجامعي فقد أصبح بمبلغ 220000 ليرة بدلاً من 88000 ليرة، أي بنسبة زيادة 150% دفعة واحدة أيضاً!
وبالحساب فقد أصبح رسم السكن الشهري 20000 ليرة تقريباً، وهو مبلغ يبدو زهيداً مقارنة بارتفاعات الأسعار وبعوامل التضخم، لكنه ليس زهيداً بالنسبة للطالب، خاصة أن هذا الرسم مقابل سرير في غرفة مكتظّة بمجموعة من الطلاب، حيث يكون الحد الأدنى فيها 5 طلاب، وفي بعض وحدات السكن الجامعي للطالبات يتجاوز العدد 7 طالبات في الغرفة الواحدة أحياناً، وبخدمات مشتركة سيئة وشبه معدومة، ليصبح السكن الجامعي على هذا الأساس أيضاً مصدر تكسُّب وتربُّح، وليس ميزة للطلاب المفقَرين الوافدين من المحافظات البعيدة لاستكمال دراستهم الجامعية كما هو مفترض!
فالغرفة المكتظة بخمسة طلاب بالحد الأدنى يصبح إيجارها الشهري 100000 ليرة، وهو مبلغ قريب من وسطي بدلات الإيجار في سوق العقارات حالياً، مع فارق الخدمات طبعاً، فالغرف المؤجرة للطلاب والطالبات في البيوت خدماتها أفضل عموماً، وإن كانت مشتركة هي الأخرى!
واختصاراً نقول إن السياسات التعليمية المتّبعة، وخاصة في مرحلة التعليم الجامعي، تكرس نمط الجباية الجائر على حساب ومن جيوب الطلاب، وخاصة في أنظمة التعليم العام المأجورة (موازي - مفتوح)، التي ترتفع أعداد المسجلين بها كل عام مقابل تراجع أعداد المسجلين في التعليم العام "المجاني افتراضاً"، كما تكرس الفرز الطبقي بين من يستطيع استكمال تعليمه الجامعي والعالي ومن يعجز عن ذلك بسبب الكلف المرتفعة والمتزايدة عاماً بعد آخر، وبسبب ارتفاع تكاليف المعيشة عموماً، ليصبح التعليم الجامعي حكراً على القلة من أبناء المقتدرين، مقابل نبذ وتطفيش أبناء الغالبية المفقرة منه تباعاً!