إزالة الدولرة في آسيا تكسب زخماً... ما الجديد في الدفاع عن الاقتصادات الوطنية؟
منذ سنوات عدة، كانت التسويات غير الدولارية استثناءً للقاعدة، ولكن اليوم أصبحت توَجُّهاً متزايدَ الانتشار ومتقدِّماً على المستوى الدّولي، فقد تمّ تعزيز عملية إزالة الدَّولرة بنشاط من جانب روسيا والصين والهند وإيران وتركيا والعديد من الدول الأخرى. وحتى الآن، انتقلت روسيا تقريباً إلى التسويات بالعملات الوطنية مع الصين والهند وإيران بالكامل. كما يمكن ملاحظة التعاون الروسي-الفيتنامي في هذا الصدد.
بالنظر إلى آسيا ككل، تتم مناقشة التسويات غير الدولارية بالعملات الوطنية المحلية أو تتم محاولة تطبيقها بالفعل من جانب إندونيسيا وماليزيا والسعودية والإمارات وباكستان وميانمار وبنغلاديش وسريلانكا وعمان ودول أخرى. وقد تمّ استخدام اليوان بنشاط من جانب كوريا الشمالية لفترة طويلة جداً.
كما تسعى المنظمات متعدّدة الأطراف غير الغربية أيضاً إلى التخلّي عن استخدام الدولار. وعليه، ففي الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، يتم الآن إجراء نحو 80% من جميع المعاملات التجارية والاقتصادية بالروبل. وكذلك الحال، تتناقص نسبة الدولار الأمريكي في عمليات الاستيراد والتصدير ضمن إطار مجموعة بريكس باستمرار. وأعلن بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس عن الانتقال إلى إصدار القروض بالعملات الوطنية وإصدار الأوراق المالية غير الدولارية. وكذلك تقوم منظمة شنغهاي للتعاون بتنفيذ خارطة طريق لزيادة تدريجيّة في نسبة العملات الوطنية في التّسويات المتبادلة، كما بدأت دول اتحاد جنوب شرق آسيا في العمل على توسيع التسويات بالعملات الوطنية، ووقّعت اتفاقاً بشأن ذلك في قمّتها لعام 2023.
وبعيداً عن روسيا والصين، نشهد زخماً أيضاً لدى مجموعة من الدول الأخرى للابتعاد عن الدولار. على سبيل المثال، تلاحظ الهند الاختلالات والمخاطر التي تسببت فيها هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي. وفي سياق صعود الاقتصادات النامية، يُعتبَر تنويع سوق الصرف الأجنبي ضرورة موضوعية. لهذا، حدّدت الحكومة الهندية تعزيز العملة الوطنية كأحد أهداف السياسة الاقتصادية في السنوات القادمة. ومن المفترض ألّا تقتصر فائدة هذه السياسة على العلاقات الاقتصادية الخارجية فحسْب، بل وأنْ توفّر كذلك بديلاً لتلك الدول التي تتعاون مع الهند، ولكن لسبب ما تواجه صعوبات في التجارة بالدولار.
وفي إيران، تعدُّ إزالة الدَّولرة هدفاً استراتيجياً للسياسة المالية. ولا سيّما أنّ لطهران خبرة مباشرة بكون الدولار يُستخدَم كسلاح من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. وتمكنت إيران فعلياً من تثبيت نظام تجارتها الخارجية بشكل فعال في ظل العقوبات الغربية، وكذلك أنشطة بنكها المركزي بعيداً عن الدولار.
ووفقاً لكبار المديرين في بنك إندونيسيا، ستساهم التسويات بالعملات الوطنية في استقرار الاقتصاد الكلي والتخلص من الاعتماد على الدولار. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تقلل من تكاليف التسويات، وتساعد في إدارة التسويات بشكل أكثر فعالية وتطوير تجارة الصرف الأجنبي.
وفي هذا الصدد، تعتبر ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد للبريكس، استخدام العملات الوطنية في المعاملات المالية الدولية مكوّناً هامّاً في تطوير نظامٍ اقتصاديٍّ عالَميٍّ متعدِّد الأقطاب. وتَعتبر إزالة الدَّولرة الكاملة لعملياتها وأصولها كهدفٍ نهائي لإصلاح عمل البنك. وفي الوقت الحالي، من المتوقَّع أن يساهم تنويع العملات في محفظة البنك تدريجياً ليس في تقليل الاعتماد على سعر صرف الدولار في عمليات التجارة الخارجية فقط، ولكن كذلك في خلق نظام ماليّ عالمي جديد لا تسيطر فيه عملة واحدة. وبسبب ذلك، سيكون من الممكن تقليل العبء على اقتصاديات دول «الجنوب العالمي» من حيث تكلفة البضائع المستوردة ومدفوعات الديون على الالتزامات الائتمانية الخارجية.
أما بالنسبة لمجموعة «آسيان»، فكانت السياسة العدوانية لأسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي القشّة الأخيرة في قرار تحديد استخدام العملات الوطنية كأولويّة. ومن خلال الانتقال إلى التسويات بالعملات الوطنية، تتوقّع آسيان زيادة التجارة بين المنظَّمات وتعميق الاندماج وضمان الاستقرار المالي. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقَّع أن يكون لهذا تأثيرٌ إيجابيّ على سلاسل القيمة الإقليمية وحماية دول آسيان من العقوبات الأمريكية المحتملة في حالة حدوث أيّ خلافات مستقبلية، وهو احتمال واقعي جداً، حيث يبدو أنّ هذا الجزءَ من العالم قد أدرك مدى تقلُّب وتخبُّط السياسة الأمريكية.
وكلما زاد عدد الدول التي تنتقل إلى التسويات بالعملات الوطنية ولا تدعم هيمنة الأموال الأمريكية المفروضة عليها لعقود عديدة، ستصبح البيئة الاقتصادية الدولية أكثر صحّة وسيكون من الأسهل على الدول استعادةُ السيطرة السليمة على العمليات الاقتصادية، متجنّبةً تأثيرَ الخارج في شؤونها الداخلية.