العلاقات الروسية-الإيرانية نحو «معاهدة استراتيجية تاريخية»
من المرتقب أن توقع روسيا وإيران اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة فيما بينهما قريباً، حيث أعلن الجانب الروسي في 23 تموز 2024 عن إنجاز البلدين لكل التحضيرات لتوقيع الاتفاقية التي توصف بأنها «حدثٌ تاريخيّ بامتياز». وأشار الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى أنّ طهران مستعدة لتوقيع الاتفاقية خلال قمة «بريكس» في مدينة قازان الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وفي أحدث التطورات أكد الكرملين من جهته يوم الإثنين 29 تموز 2024 عبر متحدثه الرسمي ديمتري بيسكوف بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يلتقي بالرئيس الإيراني مسعود بزشيكيان في قمة بريكس في قازان في تشرين الأول. وصرّح بيسكوف لصحيفة إزفستيا الروسية بأنّ «الجانب الإيراني قد تلقّى دعوة، ونحن نأمل بأن يحضر الرئيس الإيراني الجديد إلى القمة. سنكون سعيدين برؤيته، والرئيس بوتين يستعد للقاء المرتَقَب».
وفي التصريحات الرسمية التي أدلى بها، في 23 تموز، أندريه رودينكو، نائب وزير الخارجية الروسية، قال إنه «في ختام المشاورات المثمرة للغاية بين خبراء الإدارات القانونية في البلدين، أقرّ الجانبان في موسكو بتاريخ 21 تموز نصّ الاتفاقية الاستراتيجية الثنائية».
وأشار رودينكو إلى أنّ «العمل على صياغة هذه الوثيقة استغرق عامين ونصف العام تقريباً واليوم يمكن اعتباره مكتملاً».
وكانت موسكو وطهران قد وقّعتا عام 2001 اتفاقية شاملة لمدة 20 عاماً، والآن اتفق الجانبان على توقيع هذه الاتفاقية الجديدة التي تبدو أشمل وأكثر استراتيجية.
ومما لا شكّ فيه بأن الجانب الاقتصادي يحتل أهمية كبيرة من أيّ اتفاقٍ استراتيجي مرتقب بين روسيا وإيران، وخاصّة بأن هناك مشتركاً مهمّاً يجمع البلدين الكبيرين، وهو استهدافهما بالعقوبات الأمريكية والغربية. وقد سبق الحديث مؤخراً عن مشروع ضخم يعادل «سَيلَين شماليين» من روسيا إلى إيران، يمكن إنجازه خلال خمس سنوات. ولكن يجري الحديث عن الجانب العسكري والأمني أيضاً، وبحسب تحليل نقله الإعلام الروسي، نهاية شهر تموز، عن الضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية والمعلق السياسي فلاديمير أونيشتشينكو، فإنّ «خصوم روسيا يشعرون بالقلق بشكل خاص إزاء بندٍ مهمّ، فعلى سبيل المثال، في الاتفاق بين موسكو وبيونغ يانغ هناك بند ينص على تقديم المساعدة العسكرية المتبادلة في حال تعرض أيّ من الطرفين لعدوان خارجي. وينتظر الخصوم ظهور مثل هذا الالتزام في المعاهدة بين روسيا وإيران بخوفٍ واضح».
وفي الحقيقة كثيراً ما يذكر الإعلام الغربي خصوصاً أمثلةً على التعاون العسكري المتبادل بين روسيا وإيران، وخاصّةً فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. فيذكر مثلاً أنّ إيران تصدّر إلى روسيا طائرات من دون طيّران من نوع «شاهد»، وأن روسيا تحصل على صواريخ باليستية إيرانية. وأنّ إيران بالمقابل ترغب بالحصول على قدرات عسكرية من روسيا مثل منظومة الدفاع الجوي إس-400 لتعزز أمنها في وجه الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل». ويذكر أيضاً أنه حتى منذ التسعينيات وصولاً إلى العام 2022 كانت روسيا تزود إيران بين الحين والآخر بمصنوعات عسكرية هامّة، ولكن التركيز في تلك الفترة كان على «العتاد الصلب أكثر من نقل التكنولوجيا» حسب إحدى المنصات الإعلامية العسكرية الغربية، وأنه بالإضافة إلى المساعدة الروسية لإيران في برنامجها النووي، كانت تزودها بدبابات، وعربات مصفّحة، وصواريخ مضادة للدبابات، وطائرات قتالية، وحوّامات، وصواريخ أرض-جو، وغيرها.
ويمكن اعتبار العام 2022 مفصلاً حدثت خلاله قفزة في العلاقات الدفاعية بين موسكو وطهران، حيث ارتفع مستوى التعاون التقني-العسكري وتوسع إلى مجالات جديدة مثل التطوير المشترك لطرازات حديثة من المسيّرات الجوية (الطائرات بلا طيار).
كذلك لا يمكن ألّا نذكر التعاون المرجَّح حتى في نقل التكنولوجيا المتعلقة بالصواريخ فرط الصوتية؛ وهو مسألة في غاية الخطورة بالنسبة للمعسكر الأمريكي-الغربي والصهيوني، كما أثبتت التجربة ذلك مع الاستخدام المُعلَن من الحوثيين لصاروخ فرط صوتي واحد على الأقل في استهداف سفينة للاحتلال الصهيوني.
في السياق، يجدر بالذكر أنّ إيران قد وقعت مع الصين أيضاً اتفاقية شراكة استراتيجية منذ آذار 2021، ولمدة 25 عاماً، وتركز على التعاون الاقتصادي. وبالتالي يمكن النظر إلى أن هناك نهجاً متشابهاً لدى روسيا والصين، في مسألة إقامة شراكات استراتيجية كبرى وطويلة الأمد ومتعددة الأبعاد، وهذا يتعلق بطموحاتهما لتعميق العلاقات الدولية الجديدة المميزة بشكل خاص مع بلدان العالَم التي لطالما عانت من علاقة الهيمنة والاستعمار الاقتصادي والنهب الذي لطالما انتهجته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون ذوو النهج الاستعماري. وبالتالي تبدو هذه الشراكات الاستراتيجية طريقاً هامّاً في جهود هذه القوى الصاعدة لبناء عالَمٍ أكثر عدالة والتعجيل بإنهاء عصر الهيمنة الأمريكية-الغربية.