ماذا عن «تحالف البحر الأحمر» الأمريكي الجديد؟!
بعد التصعيد الذي مارسه الحوثيون في البحر الأحمر تضامناً مع المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتحدّث عن مشروع تحالف جديد لها درج على تسميته بـ «تحالف البحر الأحمر» عبر بدء قوّة عمل خاصّة متعدّدة الجنسيات لردع الحوثيين عن شنّ المزيد من الهجمات ومواجهتهم.
التصعيد المقصود هو استهداف الحوثيين للسفن التجارية الذاهبة باتجاه «إسرائيل» أو المملوكة لشركات تابعة لها في محيط مضيق باب المندب، الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة تهديداً للملاحة في البحر الأحمر في كلام تصدّره الحديث عن «حماية حرية الملاحة» من قبل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان. وكان سبق هذا الحديث حديثٌ آخر لمنسق مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي قال فيه إنّ وزارة الخارجية والبنتاغون يعملان على إقناع الدول بالمساهمة بسفن بحرية في قوة العمل الخاصّة التي ستعمل تحت القيادة المركزية الأمريكية.
ووفق المعطيات، فإنّ التّحالف الذي يجري الحديث عنه الآن «تحالف البحر الأحمر» هو توسيع لفرقة العمل البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، والمعروفة باسم «فرقة العمل المشتركة 153»، هي تحالف يضم 39 دولة بقيادة نائب أميرال الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في البحرين. ليست هنالك أيّة تفاصيل إضافيّة عن التحالف الأمريكي حتى اللحظة، غير أن تساؤلات جديّة يمكن طرحها عن الإمكانيّة الواقعية لتشكيل مثل هذا التحالف المزعوم.
لم يمر الكلام الأمريكي عن التحالف الجديد دون ردّ إيراني حادّ اللهجة، فقد حذّر وزير الدفاع الإيراني العميد محمد رضا أشتياني الولايات المتحدة من تشكيل تحالفٍ دوليٍّ في البحر الأحمر لمواجهة هجمات الحوثيين في اليمن، مشيراً إلى أن المنطقة «لم تعد قادرة على تحمّل المزيد من صراعات القوى» حسب تعبيره. «هي منطقتنا نحن، ولا يستطيع أحد على الإطلاق المناورة فيها» بهذه الكلمات ردّ الوزير الإيراني مضيفاً أنه بحال أراد الأمريكيون «ارتكاب مثل هذا الحماقة فسوف يواجهون مشكلات هائلة واستثنائية».
حول الدوافع والأهداف!
يبدو أن هنالك رغبةً أميركية - «إسرائيلية» للدفع بمصر والسعودية للتصعيد ضدّ الحوثيين ومن خلفهم إيران عبر التحالف الجديد، وسنترك للقارئ تقدير مدى قدرة الأمريكيين على إنجاح مثل هذا الأمر ما بعد التفاهم السعودي - الإيراني. مضى أشهر على التفاهم المذكور، ويبدو واضحاً ثباته وتقدّمه يوماً بعد يوم، فهذا التفاهم ليس تفاهماً عابراً كما يحلو للبعض أن يصفه، بل هو اتفاقٌ طويل الأمد ويشكّل عنصراً أساسيّاً وحاسماً بتوازنات الإقليم الجديدة. ومنذ اللحظات الأولى لتوقيعه في الصين، بدأت نتائجه تجد تعبيراتها في اليمن. بظلّ هذا التفاهم المستمر والثابت ما بين السعودية وإيران، وبظلّ الرغبة للتوصل إلى سلام دائم في اليمن؛ من غير المرجّح ومن غير الوارد أن تنزلق السعودية لتكون جزءاً من تحالف موجّه ضد الحوثيين في اليمن وإيران.
وفي هذا السياق، تناقلت العديد من وسائل الإعلام أحاديث عن مخاطر السلوك الحوثي على قناة السويس في محاولة لتسهيل زجّ المصريين بتحالفات من هذا النوع، لكن لا تظهر حتى الآن ردود فعل مصرية كبيرة على ما يجري. وهذا قد يكون مؤشراً على عدم وجود قلق كبير من قبل الجانب المصري مما يجري، خصوصاً بظلّ تأكيد الحوثيين أنهم يستهدفون السفن المتوجهة للموانئ «الإسرائيلية» فقط، وأنهم لا يستهدفون نشاط قناة السويس.
استناداً إلى هذا، يصبح احتمال نجاح واشنطن في تشكيل تحالفها الجديد هو احتمال ضعيف جداً، وبذلك يضاف مشروع «تحالف البحر الأحمر» إلى قائمة المشاريع الأمريكية المفترضة التي تلقى ما بين الحين والآخر في محاولة للتغطية على التراجع العالمي، وخلط الأوراق، وضرب القواعد الجديدة التي يجري إرساؤها من قبل القوى الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين.