"الدفاع عن النفس" ليس حقّاً للاحتلال بل للشعب الواقع عليه
في الوقت الذي تُجنّد فيه الماكينة الإعلامية والسياسية للإمبريالية، بقيادة واشنطن وحلفائها الغربيين وحتى بعض العرب، كل الوسائل لترويج كذبة أنّ العدوان الصهيوني الفاشي على الشعب الفلسطيني عبارة عن "دفاع عن النفس" وموجّه ضدّ "الإرهاب"، تأتي أحياناً كلمة حقٍّ بسيطة وواضحة كصفعةٍ مدويّة: "ليس من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها لأنّها دولة احتلال"، وتكتسب أهمية خاصّة عندما تعلو بصوت ممثّل رسمي رفيع لقوة عظمى لها باع تاريخيّ طويل في نصرة الشعوب المظلومة وحركات التحرر الوطني، ممّا يصوّب بوصلة الإجابة عن سؤال: من هم حلفاؤنا ومن هم أعداؤنا؟
جاء التذكير بهذه الحقيقة البسيطة على لسان الممثل الروسي في مجلس الأمن الدولي، فاسيلي نيبينزيا، في الثاني من تشرين الثاني الجاري 2023. وفي الوقت الذي لا يكفّ فيه المسؤولون الغربيون عن إطلاق تصريحات الدعم لكيان الاحتلال الصهيوني في المجازر المتواصلة التي أسفرت منذ السابع من أكتوبر الماضي عمّا يزيد على عشرة آلاف شهيد في قطاع غزة المحاصر، أغلبهم من الأطفال والنساء، بعد شهر من اندلاع هذه الحرب، دعت الخارجية الروسية إلى وقف إراقة الدماء وأنّ التسوية "ممكنة فقط على أساس صيغة الدولتين التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي والتي تنص على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود عام 1967" وأنها يجب أن تكون "دولة كاملة السيادة".
نفاق وازدواجية معايير
بما يخصّ شرعية وقانونية نضال الشعوب ضد الاحتلال والاستعمار، وازدواجية المعايير الغربية أو الاكتفاء بالكلام الإنشائي النظري والانتقائية في تطبيق ما يحلو لها من القوانين الدولية للأمم المتحدة وانتهاك ما لا يحلو لها منها، نذكر كمثال فيما يلي خلاصة مقال نشرته في 28 كانون الثاني/يناير 2022 "المجلة الأوروبية للقانون الدولي، المجلد 32، العدد 4، نوفمبر 2021" تحت عنوان "قانونياً: استخدام القوة دفاعاً عن النفس لاستعادة الأراضي المحتلة".
لقد اعترفت خلاصة ذلك المقال الأوروبي حرفياً بما يلي: "من القانوني، في ظروف معينة، أن تستخدم الدولة القوة دفاعاً عن النفس من أجل استعادة الأراضي التي احتلتها دولة أخرى بشكل غير قانوني نتيجة لهجوم مسلح. عندما يأتي الاحتلال من هجوم مسلح غير قانوني، يُعتَبر الاحتلال هجوماً مسلحاً مستمراً، ولا تفقد الدولة التي تمّت مهاجمتها حقها في الدفاع عن النفس بالتقادم مع مرور الزمن... عندما تمر سنوات بين الهجوم الأولي واستخدام القوة دفاعاً عن النفس، قد يشير ذلك إلى عدم وجود وسيلة معقولة أخرى لإنهاء الهجوم المسلح والاحتلال، مما يجعل استخدام القوة دفاعاً عن النفس هو الحل الأمثل... ومن وجهة النظر هذه، فإن الزمن يسير ضد المعتدي، وليس لصالحه".
بالمقابل، ليس هناك شرعية، لا بالمعنى الإنساني ولا القانوني الدولي، للاحتلال الصهيوني. وكما أوضحت دراسة قانونية بهذا الشأن بقلم الكاتبة الفلسطينية ضحى وضاح الشافعي فإنّ "اللاشرعية ابتدأت من اللحظة التي وُجَدت فيها إسرائيل بالقوة، فكان وعد بلفور بحد ذاته عملاً غير قانوني... فلم يكن هذا الوعد سوى رسالة شخصية موجَّهة من وزير خارجية إلى شخص عادي وبأحسن الأحوال ليست أكثر من تصريح سياسي لا ينطوي على أي التزام قانوني. كما لم يكن لبريطانيا أي حق لمنح اليهود – الصهاينة – هذا الوعد لأنّ فلسطين كانت تابعة لولايتَي دمشق وبيروت، أيْ أنها كانت أرضاً عربية من الناحية البشرية... بالتالي، فإنّ هذا الوعد مشوبٌ بانعدام الأهلية عند التعاقد حيث أعطى من لا يملك لمن لا يستحق" - المصدر: دراسة للكاتبة المذكورة، بعنوان "شرعية المقاومة المسلَّحة الفلسطينية وقانونيتها الدولية".
مقاومة الاحتلال جزء من "حق تقرير المصير"
بالاستناد إلى فحوى القوانين الدولية أيضاً، أشارت الدراسة القانونية المذكورة آنفاً إلى أنه: كي تمارس الشعوب حقها في تقرير المصير، لا بدّ من تمكينها من الدفاع عن نفسها الذي هو أحد أهم الحقوق المتفرعة عن حق تقرير المصير والذي يعتبر حقاً طبيعياً ملازماً للبشر أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة إذ نصّ على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى وجماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وقد أكدت كذلك الجمعية العامة في العديد من قراراتها على أنّ حق الفلسطينيين غير قابل للتصرف وحقه في استعادة حقوقه بكل الوسائل.
كما شرَّع القانون الدولي المقاومة المسلحة من أجل الدفاع عن النفس وحماية الممتلكات ووحدة إقليم الدولة المحتلة، إذ كان لا بد من تقنين قواعد للحرب وتطبيقها والقواعد الإنسانية الخاصة على أفراد قوات المقاومة. فنصت اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب لكي تكتسب المقاومة المسلّحة الشرعية الدولية وحتى يتمتع أفرادها بحقوقهم كأسرى حرب وتكون لهم صفة المحاربين توافر شروط محددة. فأعطت اتفاقية جنيف صيغة "أسرى الحرب" على المتطوعين، ومنهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة التي تعمل داخل أرضها أو خارجها وحتى لو كانت هذه الأرض واقعة تحت الاحتلال، عند توافر الشروط التالية فيهم، وهي:
- أن يكون لهم رئيس مسؤول.
- أن يحملوا السلاح علناً.
- أن يحملوا علامة مميزة ظاهرة.
- أن يلتزموا في نضالهم بقوانين الحرب وأعرافها.
هذه الشروط مطابقة لما نصت عليه اتفاقية لاهاي، كما أشار البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلق بالمنازعات المسلحة إلى مشروعية القوة المسلحة من أجل التحرر والانعتاق والتي جاء فيها "تتضمن الأوضاع المشار إليها المنازعات المسلحة التي تناضل فيها الشعوب ضد التسلط كحق الشعوب في تقرير المصير".