الاتفاق السعودي-الإيراني: من التفاهمات النظريّة إلى التطبيق العملي!
قبل حوالي شهر من الآن جرى توقيع الاتفاق التاريخي بين كلٍّ من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ الاتفاق الذي قلب صفحة خلافات الماضي بين البلدين، وأعاد الأمور إلى نصابِها الحقيقي بين المركزين الدينييّن والبلدين المهمينّ في الإقليم.
الاتفاق الذي جرى برعاية صينيّة، والذي وقّع في العاشر من آذار/مارس الفائت في العاصمة الصينية بكين حمل معه تباشير الأمن والسلام للمنطقة التي دفعت أثماناً كبيرة نتيجة «الفوضى الخلّاقة» الأمريكية، فلهذين البلدين أوزانٌ ثقيلةٌ في العديد من ملفات المنطقة السّاخنة في كلٍّ من اليمن وسورية ولبنان والعراق وغيرها.
«لقاءٌ ثانٍ بين السعودية وإيران»
ما بعد توقيع الاتفاق المشار إليه بين البلدين، صدر بيانٌ عن كل من إيران والسعودية والصين. وممّا جاء في النص البياني المشترك للدول الثلاث: الإعلان عن توصّل كلّ من السعودية وإيران إلى اتفاق يتضّمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران. كما تضمّن الاتفاق تأكيد كلّ من البلدين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة، بالإضافة إلى مناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، والاتفاق على تفعيل اتفاقيّة التعاون الأمني بينهما والتي جرى توقيعها في العام 2001، والاتفاقية العامّة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار الموقّعة هي الأخرى في العام 1998.
من جديد وقبل عدّة أيّام تباحث كل من وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره السعودي فيصل بن فرحان في العديد من شؤون البلدين، وفي ختام المباحثات التي جرت في بكين أيضاً، أكّد الجانبان على أهميّة متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، بما يعزّز الثقة المتبادلة ويوسّع نطاق التعاون، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
واتفق الجانبان على إعادة فتح الممثليات خلال المدّة المتفق عليها، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتَيهما العامّتين في جدَّة ومشهد، ومواصلة التنسيق بين الوفود الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرة العمرة.
اللقاء الثاني بين البلدين والذي حدث في 6 نيسان/أبريل الجاري، هو خطوة باتجاه الانتقال من الاتفاق النظري إلى التنفيذ العملي، وبدء البحث في مسألة التنفيذ هو مؤشر على مدى جديّة الدول الثلاث (إيران – السعودية - الصين) في حلحلة المشكلات بين البلدين وفي المنطقة ككل.
«اتفاق استراتيجي»
من المهم جدّاً الإشارة هنا إلى أنّ الاتفاق الذي جرى هو اتفاق له طبيعة استراتيجية تنسجم مع روح التوازنات الدولية الجديدة، وليس اتفاقاً مرحليّاً أو مؤقتاً. وعلى هذا الأساس يمكن الاستنتاج أنّ كلّ خطوة بين البلدين ستمهّد الطريق للخطوة التالية خلال آجالٍ زمنية قصيرة، وأن تعبيرات ذلك سرعان ما ستنعكس إيجاباً على البلدين وعلى المنطقة برمّتها.
وليس من قبيل المصادفة أن تتحرّك اللقاءات بين العديد من الدول في المنطقة ما بعد الاتفاق السعودي-الإيراني؛ فقد فرض الاتفاق جوّاً إقليمياً جديداً، وعلى ما يبدو تجري الآن إعادة ترتيب الأوراق على أساس هذ الاتفاق.
«قرار بإنهاء حرب اليمن»
المتغيّر الأهمّ الذي حدث ما بعد اللقاء السعودي-الإيراني الثاني هو القرار الذي اتّخذته السعودية بإنهاء حرب اليمن. وفي البداية أفادت مصادر يمنية مطلعة لقناة العالَم الإيرانية يوم الجمعة 7 نيسان بأنّ الرياض أبلغت «مجلس القيادة الرئاسي» اليمني بقرارها إنهاء الحرب وإغلاق الملف اليمني نهائياً.
وما بعد ذلك بأيام، توجّه وفد سعودي-عمّاني إلى العاصمة اليمنية صنعاء بهدف استكمال محادثات تمديد الهدنة، والتوصّل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، والتقى الوفد مع رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، وحدث اللقاء في القصر الجمهوري حسب ما نقلت وكالة الأنباء اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.
وحصل ذلك وسط أجواء إيجابية كان لها دلالاتها لدى الأطراف جميعها، بما فيها الإمارات وإيران والحوثيين الذين عبروا عن دعمهم لهذه الجهود من أجل حلّ الأزمة في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك فقد جرى تقدّم في ملف تبادل الأسرى ما بين السعودية واليمن، حيث كشف رئيس لجنة الأسرى في حكومة صنعاء، عبد القادر المرتضى، عن استقبال 13 أسيراً ومعتقلاً في مطار صنعاء الدولي بعد أن أفرجت عنهم السلطات السعودية بمقابل الإفراج عن أسير سعودي واحد.
يعدّ القرار السعودي الأخير فيما يخص الأزمة في اليمن تعبيراً عمليّاً ومباشراً عن البدء الحقيقي بتنفيذ التفاهمات بين السعودية وإيران، وهو خيرُ دليلٍ على أن الاتفاق التاريخي بين الأخيرتين سيحمل بشائر السلام والأمان للمنطقة، وسيعمل بصورة فعّالة على إنهاء مشكلاتها المتفاقمة.