ما الذي يعنيه تخفيض التصنيف الائتماني لدولة ما؟

ما الذي يعنيه تخفيض التصنيف الائتماني لدولة ما؟

عند النظر إلى سيل الأخبار الاقتصادية اليومية، غالباً ما تمرّ أخبار تتعلق بالتصنيفات الائتمانية للدول. سمعنا خلال الأسبوع الماضي مثلاً أنه تم تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، لكن يُغفل في الغالب توضيح الآثار اللاحقة لارتفاع أو انخفاض هذا التصنيف بالنسبة للدول.

ثمة العديد من وكالات التصنيف الدولية والمحلية، لكن يجري التركيز في الإعلام دائماً على ثلاث وكالات دولية كبرى: ستاندرد آند بورز S&P Global Ratings، وموديز Moody's Corporation، وفيتش Fitch Ratings، وهذه الوكالات الثلاث كلها أمريكية، وتقع مقراتها الرئيسية في نيويورك تحديداً، وتعمل بموجب تراخيص من وزارة الخزانة الأمريكية.

شكلياً، يتمثل النشاط الرئيسي لجميع هذه الوكالات في تحديد التصنيفات الائتمانية للدول أو مناطق داخل هذه الدول أو الشركات الخاصة فيها. والتصنيف الائتماني هو مؤشر إلى مقدار موثوقية دولة ما أو مناطق أو شركات فيها بوصفها جهة مقترضة. بكلامٍ أبسط، فإن مستوى التصنيف الائتماني هو أحد العوامل الرئيسية في تقرير ما إذا كنت مؤهلاً ليتم منحك قرضاً ما أو شراء سندات الدين التي تصدرها.

بهذا المعنى، تستطيع ثلاث وكالات أمريكية أن تحدد ما إذا كانت هذه الدولة أو تلك مؤهلة للحصول على القروض أم لا، وعليه، يُنظر للتصنيف الائتماني بوصفه واحداً من أدوات الهيمنة الاقتصادية الغربية، ولا سيّما أنه استخدم في كثير من الحالات للضغط على دولٍ محددة لإبقائها في الفلك الغربي، وهو ما دفع الكثير منها لرفع دعاوى قضائية على وكالات التصنيف هذه متّهمين إيّاها بالتحيُّز، ولا سيّما أنها لا تكتفي بإصدار التصنيفات الائتمانية الحالية، بل تضع أيضاً توقعات حول تطوّر هذه التصنيفات في المستقبل.

فوق ذلك، لا تنشر هذه الوكالات المنهجية التي تقوم على أساسها بعملية التصنيف الائتماني للدول والشركات، وربما يكون أكثر ما يثير السخرية في عملها هو أنه خلال انفجار الأزمة المالية العالمية (منذ 2008) انهارت البنوك الاستثمارية الأمريكية الكبرى التي حصلت على أعلى تصنيفات، بينما ظلت بنوك عديدة تنتمي إلى دول أخرى صامدة رغم أن تصنيفاتها الائتمانية متدنية.

يدافع بعض المحلّلين عن هذه الوكالات ويقولون إنّ تصنيفاتها مرتبطة بمؤشرات الأداء الاقتصادي للدول، لكن حججهم هذه كلها تتداعى عندما نجد أنّ جميع المؤشرات المعتبرة، ابتداءً من مؤشرات الاقتصاد الكلّي (الحقيقية لا المزيفة) وحجم الدين العام وميزان المدفوعات ووضع التجارة وديون البنوك والشركات، كلها تشير إلى أنّ الولايات المتحدة يجب أن تتمتع بواحد من أسوأ التصنيفات الائتمانية في العالم، لكن رغم ذلك فإنها حصلت على ثاني أعلى تصنيف (+AA+/A-1) «مع نظرة مستقبلية مستقرّة».

وفي المباشر، فإنّ دور هذه الوكالات أقرب ليكون سلاحاً مالياً بيد المركز الغربي، فعندما تقوم هذه الوكالات بتخفيض التصنيف الائتماني لدولة ما، فإنه سيتعين على الدائنين والمستثمرين الأجانب أن يطلبوا من المقترضين التابعين لهذه الدولة إما سداد القروض بشكلٍ مبكر أو زيادة مستوى الضمانات ورفع أسعار الفائدة. وبالنتيجة، ستحدث موجة جديدة من تدفق رأس المال إلى خارج هذه الدولة، الأمر الذي سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على أسعار صرف العملة، وإضعاف العملة المحلية.

لكن، كما جميع مؤسسات الهيمنة الغربية، تشهد وكالات التصنيف الثلاث المذكورة آنفاً تراجعاً في دورها لأسباب عدّة، أهمها أنّ السلاح الرئيسي الذي كانت تتمتع به (وهو إغلاق الطريق على دول محدّدة للوصول إلى مصادر الاقتراض الخارجية) انخفضت فعاليته بدرجة كبيرة بفعل العقوبات الاقتصادية الغربية التي قطعت أصلاً طريق الاقتراض منذ زمنٍ طويل بالنسبة لعدد كبير من الدول، الأمر الذي دفع بتكتلاتٍ إقليمية جديدة للتفكير في إنشاء مؤسّسات تصنيف ائتمانية جديدة (كما تفكّر دول مجموعة بريكس على سبيل المثال)، كما دفع أيضاً عدداً من الدول المُقرِضة إلى تجاهل التصنيفات الائتمانية التي تصدرها المؤسسات الأمريكية الثلاث، كما تفعل الصين حالياً على سبيل المثال.