«بنيامين» يستخدم إلهان عمر... للدفاع عن نفسه!
حتى اللحظة، ما تزال وسائل الإعلام الأمريكية، ووسائل الإعلام الغربية بشكل عام، منشغلة في مناقشة قضية عزل إلهان عمر من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي، بقرار من مجلس النواب أقره يوم الخميس 2 شباط الجاري. وجرى تمرير القرار بأغلبية 218 صوتاً مقابل 211. وجاءت الأصوات موزعةً بشكلٍ مطابق للانقسام الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث أيد الجمهوريون ورفض الديمقراطيون، وذلك باستثناء نائب جمهوري واحد صوت "حاضر"، مما يعني أنه لم يؤيد القرار ولم يرفضه.
وكان مبرر القرار، بحسب الجمهوريين، تغريدات وبيانات لإلهان عمر تعود إلى عامي 2019 و2021، والتي اعتُبرت في حينه الوقت "معادية للسامية" ومعادية لـ «إسرائيل».
هذه هي المرة الثالثة منذ ما يقرب من أربع سنوات، حيث يحتل الجدل الدائر حول إلهان عمر، النائبة الديمقراطية الأمريكية البالغة من العمر 40 عاماً والمسلمة الصومالية واللاجئة، صدارة أفضل المبيعات في شباك التذاكر لوسائل الإعلام السياسية الأمريكية. وكذلك إلى حد كبير في الإعلام الغربي بشكل عام.
كانت المرتان السابقتان في عامي 2019 و2021. في المرة الأولى، تعرضت عمر للهجوم بعد تغريدة هاجمت فيها ضمنياً تأثير التمويل في العملية "الديمقراطية" الأمريكية، وأن التمويل لا يتعلق بالمبادئ بقدر ما يرتبط بالمصالح. في ذلك الوقت، استخدمت عبارة «يا عزيزي، الأمر كله يتعلق ببنجامين». المثير للسخرية في الطريقة التي تعرضت بها عمر للهجوم في ذلك الوقت هو أن استخدامها لهذا التعبير بالذات قد تم اعتباره معادياً للسامية ويستهدف اليهود استناداً لكون اسم بنيامين هو اسماً يهودياً شائعاً!
واعتذرت عمر بعد الهجوم، و"بشكل لا لبس فيه" وفقاً لكلماتها. وكان تبريرها هو أنها لم تكن تعلم بوجود هذا النوع من التضمين في هذه العبارة. هذا على الرغم من حقيقة أن هنالك استخداماً مجازياً شائعاً في الولايات المتحدة لاسم «بنجامين»، ولا علاقة له باليهود أو إسرائيل أو معاداة السامية. المقصود هو استخدام اسم بنجامين كتسمية لورقة المائة دولار التي تحمل صورة الرئيس الأمريكي بنجامين فرانكلين. يستخدم هذا التعبير أيضاً على نطاق واسع في صناعة الترفيه، سواء كانت أفلاماً أو عروضاً أو موسيقى. هناك أغنية راب تحمل عنوان "It’s All About the Benjamins"، والمقصود أن الأمر كله يتعلق بالمال، والذي لم يفكر فيه أحد مرتين حول ما يمكن أن يعنيه أو أساء فهمه على أنه يعني أي شيء بخلاف كونه متعلقاً بالمال. ربما كان معنى "بنيامين" هو المعنى الذي في ذهن إلهان عندما كتبت تغريدتها تلك، مما يجعل من اعتذارها اللاحق، وطريقة اعتذارها، أمراً غريباً جداً.
الجدير بالذكر هو أن النظام السياسي الأمريكي برمته اتحد في مهاجمة عمر في ذلك الوقت، ومن قاد هذه الهجمات هم الديمقراطيين أنفسهم، الذين يدعون اليوم الدفاع عن إلهان، وخاصة نانسي بيلوسي.
المرة الثانية التي تعرضت فيها عمر للهجوم، كانت عقب تغريدة بصفتها عضواً في لجنة العلاقات الخارجية، عما قالته خلال جلسة الاستماع لوزير الخارجية، أنتوني بلينكين. وقالت فيها: «يجب أن يكون لدينا نفس المستوى من المساءلة والعدالة لجميع ضحايا الجرائم ضد الإنسانية. لقد رأينا فظائع لا يمكن تصورها ارتكبتها الولايات المتحدة وحماس وإسرائيل وأفغانستان وطالبان. وقد سألت بلينكين: إلى أين من المفترض أن يذهب الناس من أجل العدالة؟»
كانت الحجة المستخدمة في الهجوم الثاني على عمر في ذلك الوقت هي أن تغريدتها المذكورة أعلاه تضع "إسرائيل" والولايات المتحدة وطالبان وحماس على قدم المساواة. وسرعان ما اعتذرت وبررت بالقول: «لكي نكون واضحين: كان الحديث يدور حول المساءلة عن حوادث محددة تتعلق بقضايا المحكمة الجنائية الدولية، وليس مقارنة أخلاقية بين حماس وطالبان والولايات المتحدة وإسرائيل. لم أكن لأقوم بأي حال من الأحوال بمساواة المنظمات الإرهابية بالدول الديمقراطية ذات الأنظمة القضائية الراسخة».
تدور الاتهامات الموجهة إلى عمر بشكل عام في فلك معاداة السامية والموقف من "إسرائيل"، وخاصة قضية اعتبار "إسرائيل" دولة فصل عنصري (وعلى أي حال هذا ليس رأيها فقط، بل رأي أصبح منتشراً في جميع أنحاء العالم، حتى في الولايات المتحدة، وعبرت عنه منظمات حقوق إنسان معروفة مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية). ومع ذلك، هل يمكن أن نصف دولة بأنها دولة فصل عنصري ومن ثم أن نصف هذه الدولة نفسها بأنها دولة ديمقراطية ذات نظام قضائي راسخ؟ بحسب إلهان عمر، نعم، هذا ممكن، كما تشير كلماتها أعلاه!
علاوة على ذلك، وبحسب عمر، فإن "إسرائيل" ليست فقط دولة ديمقراطية ذات نظام قضائي راسخ، بل هي أيضاً حليفة وصديقة، كما قالت في مقابلة مع شبكة سي إن إن عام 2021 في إطار الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات الموجهة إليها. في تلك المقابلة، قالت: "إسرائيل حليف للولايات المتحدة وأعتقد أنه بقدر ما تتمنى لجارك ولأصدقائك العيش وفق نفس المستوى من القيم الذي تعيش فيه، فإننا نريد أن نتأكد من أن حلفاءنا هم أيضاً يعيشون لنفس القيم التي ندفع من أجلها هنا».
المشكلة في مكان آخر
تتيح لنا المراجعة الموجزة المقدمة أعلاه لتطور "قضية إلهان عمر" استنتاج أمرين واضحين:
أولاً: موضوع الموقف من "إسرائيل" أو "معاداة السامية" ليس موضوع خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين. في الواقع، هناك موقف موحد من الحزبين يدعم "إسرائيل" إلى أقصى حد.
ثانياً: إلهان عمر نفسها، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجهها من حين لآخر ضد "إسرائيل"، إلا أنها لا تملك موقفاً ثابتاً من هذه القضية، وبالتأكيد ليس لديها موقف حازم ومبدئي من قضية "إسرائيل".
لذلك، عند البحث عن تفسير وفهم ما يكمن وراء هذا العرض الإعلامي، يجب توجيه الانتباه إلى مكان آخر للبحث عن الحقيقة.
حالات الانقسام الشديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين في التصويت على أي قرار، والتي تصل إلى نقطة الاصطفاف الكامل والمنضبط عن طريق التصويت على أسس حزبية صارمة، ليست أمراً متكرراً، بل هو نادر إلى حد ما في تاريخ الكونغرس الأمريكي. معظم القرارات، بما في ذلك القرارات الإشكالية، وعلى الرغم من حصولها على دعم أكبر من هذا الحزب أو ذاك، إلا أن عملية التصويت الفعلية تتضمن دائماً تجاوزاً لخطوط الفصل الحزبية عبر عدد من الأصوات التي يعارض فيها أعضاء من الكونغرس تصويت حزبهم. هذا الانضباط في التصويت على قضية ليست في الواقع مسألة خلاف بين الطرفين، كما أوضحنا سابقاً، يعني أن المقصود هو الاصطفاف الحاد نفسه، كخطوة تبدو ضرورية استعداداً لمعركة ساخنة في عام 2024.
طبعاً التصويت على قضية عمر ليس انحرافاً عن الموقف من "إسرائيل" أو القضية الفلسطينية. من السخف أن يعتبر أحد أن تصويت الديموقراطيين لصالح عمر هو تصويت ضد "إسرائيل"، أو أن تصويت الجمهوريين ضد عمر هو تصويت لصالح "الإسرائيليين". ما نقترحه هو أن كون إلهان عمر مسلمة، سوداء، ومن أصل أفريقي، هو ما تم التصويت عليه، وليس مواقفها السياسية.
يسعى الديمقراطيون لتقديم أنفسهم كممثلين لمختلف أنواع الأقليات في الولايات المتحدة، بما في ذلك السود والمسلمون والهسبانيك والمثليون وما إلى ذلك. ومن ناحية أخرى، يسعى الجمهوريون لتقديم أنفسهم كممثلين عن "البيض" الأمريكيين، وخاصة أولئك المنحدرين من أصول أوروبية غربية.
كلما زادت حدة الأزمة بمعناها السياسي والاقتصادي، ازدادت الحاجة إلى قسم السكان الأمريكيين بشكل حاد على أساس القضايا العرقية والدينية والطائفية والهويات بشكل عام، وبعيداً عن الانقسام الطبيعي حول المصالح، وخاصة المصالح الاقتصادية...
في الوقت الذي تقترب فيه أزمة الديون الوطنية الأمريكية من نقطة الانفجار، والتي ستكون تداعياتها أكبر بما لا يقاس من أزمة عام 2008، وفي وقت تقترب فيه مجموعة بريكس من إصدار عملة عالمية جديدة، وهو ما يمثل خطراً جسيماً على النظام المالي والسياسي الغربي، وعلى وجه الخصوص على “بنجامين”، أي على الدولار. في هذا الوقت على وجه الخصوص، يظهر هذا العرض الإعلامي، والذي يتم توجيهه بشكل أساسي إلى الأمريكيين في الولايات المتحدة وثانياً إلى بقية العالم. بهذا المعنى، بينما يقدم لنا هذا العرض الأمريكي أن إلهان عمر تهاجم "بنيامين"، فإن التفكير في الأمر يمكن أن يؤدي إلى إدراك أن "بنيامين" هو من يستخدم بالفعل قضية إلهان عمر والصخب المثار حولها، للدفاع عن نفسه...