التغيير الآن.. كي لا تختنق أصوات المنكوبين تحت الحطام
على وقع الفاجعة الجديدة التي ألّمت بالبلاد فجر يوم الإثنين، طفت على السطح بطبيعة الأحوال الأخبار العاجلة حول الآثار المباشرة للزلزال والمبادرات الشعبية - الفردية والجماعية- للتعامل مع آثار ما جرى. ورغم أنه في حالات كهذه يسهل اعتبار أية معالجة سياسية للكارثة في أيامها الأولى بأنها قفزٌ فوق جراح المتضررين وعذاباتهم، بدا واضحاً أن عشرات الأسئلة الموجعة حفرت مجدداً في أذهان السوريين وأضافت غضباً جديداً لغضبهم المتراكم.
ينبغي الاعتراف أولاً أن حدوث الزلازل في أي دولة كانت يتركها تلقائياً أمام ارتباك وصدمة. وشمل ذلك دول كبرى كثيرة أربكتها الزلازل التي جرت فيها وخلّفت خسائر بشرية واقتصادية بمليارات الدولارات.
وهذا طبيعي، لكن سرعان ما ينتهي الإرباك ويبرز السؤال: حسناً، ماذا بعد الصدمة الأولى؟ هنا، تتباين الدول في قدرتها على التعامل مع الكارثة، وينفتح باب السؤال عن أسباب تخلف الدولة وانكشاف عجزها مجدداً.
تواجه سورية اليوم كارثة جديدة بمعنى الكلمة، والضحايا العالقين تحت الركام هم أحد جوانب الكارثة فقط، لكن الجوانب الأكثر تعقيداً ستشتدّ كلما مضت الأيام، وكلما خفت البريق الإعلامي للحدث واختفى «التريند»: إلى جانب الوفيات البالغ عددهم 3,162 والإصابات الـ5,685 حتى اللحظة، لدينا اليوم على أقل تقدير ووفقاً للتصريحات الرسمية، 110 آلاف عائلة في مراكز الإيواء، وأكثر من 418 بناء منهار تماماً، والآلاف من الأبنية الآيلة للسقوط، وعدد هائل من الأبنية المتضررة (يكفي أن نستشهد بتصريحات مدير المركز الوطني لرصد الزلازل د.رائد أحمد، الذي أكد أن الهزات الارتدادية التي حدثت أدت لتضرر في كافة الأبنية، وقد نسمع كثيراً بانهيار أبنية في أماكن غير متوقعة في البلاد).
هذا كله، سيحتاج سنوات من الترميم والمعالجة وجهود مضنية ينبغي بذلها لضمان وصول البلاد إلى عتبة أعلى من القدرة على مقاومة الكوارث الطبيعية المتوقعة. لكن هذا الوصول مرهون بالكشف الكامل عن أسباب العجز وعن الأسئلة الثقيلة التي يُجبر الشعب السوري على حملها فوق أكتافه وهو يقاوم هذه الكارثة وغيرها:
- ألا يتحمل فاسدو النظام والمعارضة - الذين أعاقوا الحل السياسي في البلاد على مدى السنوات الماضية وتركوها نهباً لتقسيم الأمر الواقع ولنقص أساسيات الحياة الضرورية بما فيها المعدات الضرورية للإغاثة - المسؤولية عن تفاقم الكارثة الحالية؟
- أليست نسبة الوفيات إلى الإصابات في سورية (5.5 من كل 10) مثيرة للانتباه بالمقارنة مع النسبة ذاتها في تركيا (2 من كل 10) رغم أن الأخيرة هي مركز الزلزال؟ ألا تؤشر هذه النسبة إلى مقدار التهتك الذي أصاب جهاز الدولة السوري خلال السنوات السابقة بما في ذلك استعداده للأزمات وسرعة استجابته لها؟
- هل لدى سورية اليوم - وهي مقبلة على التعامل مع كل التبعات اللاحقة للزلزال - ترف السماح للفساد الكبير وللمنظمات غير الحكومية في الداخل والخارج بانتزاع حصة الأسد من المساعدات، والتربح من آلام الناس ومصائبهم؟
- ثم ألا يشير اعتكاف الناس عن التعامل مع المؤسسات الحكومية والجمعيات غير الحكومية (ومبادرتهم إلى تنظيم بعض عمليات توزيع المساعدات وعمليات الإغاثة بأنفسهم) إلى انعدام ثقتهم بشكل كامل بهذه المؤسسات التي عشّش فيها الفساد وابتلعها.
إن كان من وقتٍ مناسبٍ للحديث عن التغيير السياسي فهو الآن، الآن تحديداً، حيث لا ينبغي أن تختنق أصوات المنكوبين تحت حطام المنازل المدمّرة والدولة العاجزة والفساد المتجذر الذي يسنّ أسنانه لتحويل الكارثة إلى فرصة لتكديس المزيد من الثروات المنهوبة.