الغاز يخرج من الهيمنة الأمريكية
في الوقت الذي تترنّح فيه القارة العجوز تحت وطأة بيع الغاز الأمريكي لها بأربعة أضعاف الروسي، تبدو هي الخاسر الأكبر من الحرب الحالية على كل الأصعدة والمستويات، حيث تتجلى أعتى مظاهر الهيمنة الأمريكية على أوروبا اقتصادياً. وفي هذا الوقت نفسه استضافت مصر فعاليات الاجتماع الوزاري الرابع والعشرين لمنتدى الدول المصدّرة للغاز في القاهرة الذي أعرب عن قلقه العميق إزاء محاولات فرض سقف لأسعار الغاز وتغيير آلية التسعير بدوافع سياسية.
حيث عقد الاجتماع من 23–25 تشرين الأول 2022، وضمّ وزراء البترول والطاقة من 11 دولة عضواً و8 دول بصفة مراقبين، وحضر الاجتماع وزراء الطاقة وكبار المسؤولين من الدول الأعضاء: الجزائر، بوليفيا، مصر، غينيا الاستوائية، إيران، ليبيا، نيجيريا، قطر، روسيا، ترينداد وتوباغو، وفنزويلا. ومن المراقبين: أنغولا، أذربيجان، العراق، ماليزيا، موزمبيق، النرويج، بيرو، والإمارات. وتُمثل الدول مجتمعةً حوالي 72% من إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكَّد من الغاز الطبيعي و55% من الصادرات عبر خطوط الأنابيب و50% من صادرات الغاز المسال.
هذا وقد تم إنشاء منتدى الدول المصدّرة للغاز عام 2001، وفي عام 2008 تحوَّل إلى منظمة حكومية دولية مقرّها الدوحة بدولة قطر.
وأصدر الاجتماع الوزاري لمنتدى الدول المصدرة للغاز بياناً، أكد من خلاله أنّ الدول الأعضاء أكدت أهمية التنسيق بينها ودعمها للحوار الواضح والصريح بين المنتجين والمستهلكين وكافة الأطراف ذات الصلة بهدف ضمان أمن كل من العرض والطلب، علاوة على ضمان شفافية وعدالة وانفتاح أسواق الغاز.
وأضاف البيان أنه من المتوقع أن يستمر اختناق السوق على المدى المتوسط حيث إنّ أغلب المشروعات الجديدة ستبدأ الإنتاج عقب عام 2025.
وناقش الاجتماع الوزاري باستفاضة الأزمة متعددة الأبعاد التي تشمل الاقتصاد، الطاقة، التجارة، الصحة، البيئة، الأوضاع الجيوسياسية، حيث ركّز المجتمعون على المخاطر المتصاعدة من التوقعات الاقتصادية المتشائمة، والتضخم غير المسبوق منذ عقود، والأوضاع المالية الخانقة، وأزمات سلاسل الإمدادات.
وأكد المجتمعون أنّ التوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى القيود الاقتصادية المفروضة على بعض الدول جعلت التوقعات أكثر غموضاً، وأنّ الآثار السلبية على مستوى معيشة الأفراد أصبحت شيئاً حقيقياً وملموساً، وتأثيرها أكبر على الدول الفقيرة وخاصة الدول النامية.
وأكد الاجتماع على أنّ سوق الغاز الطبيعي تمرّ بتغيرات جذرية من حيث الكميات التي يتم ضخّها، وأوضاع السوق، والترتيبات الخاصة بالعقود والاستثمارات.
ولاحظوا أنّ مراكز الغاز تشهد تقلبات شديدة، مؤكّدين أنّ أسعار عقود الغاز طويلة الأجل تعد أكثر استقراراً ويمكن التنبّؤ بها.
وأعربوا في بيانهم عن قلقهم العميق بشأن محاولات تغيير آلية تسعير الغاز وإدارة مخاطر أداء السوق وفرض حدود قصوى للأسعار بدوافع سياسية، حيث شدّد المجتمعون على أنّ هذه التدخلات في أداء السوق يمكن أن تزيد من حدة اختناق السوق، وتحبط الاستثمارات وتضرّ بكلٍّ من المنتجين والمستهلكين على حدّ سواء.
وأشار المشاركون في المنتدى إلى أنّ النقص في الاستثمارات منذ عام 2015 بسبب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، والدعوات المضلّلة للتوقف عن الاستثمار في مشروعات الغاز الطبيعي، نتج عنها خللٌ في العرض والطلب مما أدّى لتفاقم التوترات الجيوسياسية وأصبحت أوروبا حالياً الوجهة المفضلة لشحنات الغاز الطبيعي المسال لتعويض الكميات التي تمّ خفض ضخّها في خطوط الأنابيب. كما تم التأكيد على أهمية تطوير البنية التحتية الأساسية للطاقة وذلك لضمان التدفق الحرّ للغاز واستقرار أسواق الغاز العالمية وإدانة أيّ هجمات متعمّدة لإلحاق الضّرر بها.
واتفق وزيرا الطاقة الروسي والقطري على ضرورة عدم تسييس تجارة الطاقة في العالم، بمعزل عن القيود الأحادية أو القرارات السلبية المناقضة لقوانين السوق. وشدّد وزير الطاقة الروسي على أنّ عقود الغاز طويلة الأجل هي أحد الحلول لجذب الاستثمارات في مشروعات الغاز وتمثل شبكة لحماية العرض والطلب واستقرار سوق الغاز.
ويبدو أنّ تباطؤ الاقتصاد العالمي منذ شباط الماضي والتحوّل إلى الاقتصاد الأخضر وانخفاض الاستثمارات في صناعة الغاز العالمية وتسييس التجارة الدولية للغاز وفرض العقوبات على روسيا بعد إيران وفنزويلا أدّى إلى خلخلة الاستقرار العالمي، كما أنّ تخلّي أوروبا عن الغاز الروسي أدى إلى قفزات في أسعار الغاز بمعدلات مرتفعة.
إنّ تطورات الأوضاع دفعت الدول المنتجة للغاز إلى المكان الذي وصلت إليه روسيا قبلها وهو رفض التحكم الغربي بأسعار الغاز حفاظاً على مصالحها، ويبدو أنّ زمن الهيمنة الأمريكية والتحكم بالاقتصاد العالمي وعلى رأسه سوق الطاقة في طور الانتهاء، وتبرز العديد من المجالات التي تتحرّر من هذه الهيمنة وليس سوق الغاز إلا أبرزها اليوم.