الكوليرا مؤشر خطير على عدم المساواة في سورية
أعلنت مصادر رسمية في وزارة الصحة السورية الأسبوع المنصرم أنّ 29 شخصاً توفّوا بالكوليرا فيما تصفه تقارير الأمم المتحدة بأنه أسوأ تفشٍّ للمرض منذ سنوات. وقالت الوزارة في بيان إنّ اختبارات التقييم السريع أكدت وجود 338 حالة إصابة في البلاد منذ ظهور الوباء للمرة الأولى في آب الماضي وإنّ معظم الوفيات والإصابات في محافظة حلب، حيث تشكل المياه الملوثة في سرمدا إدلب أحد أسباب تفشي الكوليرا.
الرعاية الصحية حق أساسي من حقوق الإنسان لجميع الناس في كل مكان، ومع ذلك لا تزال الكوليرا تشكل تهديداً عالمياً للصحة العامة ومؤشراً على عدم المساواة. ويمثل تفشي المرض تهديداً خطيراً للناس في سورية، ولذا ثمّة حاجة لاتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمنع المزيد من حالات المرض والوفاة.
وتظهر الكوليرا عادة في مناطق سكنية تعاني شحّاً في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي، وغالباً ما يكون سببها تناول أطعمة أو مياه ملوثة، وتؤدي إلى الإصابة بإسهال وقيء وتصل مضاعفاتها أحياناً إلى الوفاة.
يُعدّ تفشي الكوليرا أيضاً مؤشراً على نقص المياه الحاد في كافة أنحاء سورية. إذ إنه مع استمرار انخفاض مستويات نهر الفرات والظروف الشبيهة بالجفاف ومدى تضرُّر البنية التحتية للمياه، يعتمد الكثير من السكان المعرّضين بالفعل للخطر في سورية على مصادر المياه غير الآمنة، مما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض الخطيرة المنقولة بالمياه خاصة بين الأطفال.
وسجلت سورية عامي 2008 و2009 آخر موجات تفشي المرض في محافظتَي دير الزور والرقة، وفق منظمة الصحة العالمية.
ويُشار إلى أنّ الحرب قد دمّرت ثلثي محطّات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه، مما سبب حالياً نقصاً في شبكات مياه الصرف الصحي الملائمة أو مياه الشرب.
وتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 5 ملايين شخص في سورية يعتمدون على نهر الفرات للحصول على مياه الشرب، فضلاً عن أن 46% من المرافق الصحية تعمل جزئيّاً أو لا تعمل على الإطلاق.
ويجبر نقص المياه الأسر على اللجوء إلى آليات التكيّف السلبية مثل تغيير ممارسات النظافة أو زيادة ديون الأسرة لتحمّل تكاليف المياه.
وتتوزع الحالات في حلب، واللاذقية ودمشق ودير الزور وحماه وحمص والرقة والحسكة وقد أعرب السيد عمران رضا، المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سورية، عن قلقه الشديد بشأن استمرار تفشي الكوليرا في سورية، وعن ضرورة الدعم من البلدان المجاورة للإسراع بمنح الموافقات اللازمة لضمان تسليم الأدوية والإمدادات الطبية المنقذة للحياة في الوقت المناسب.
وتحدّث مدير برنامج اللقاح في «شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة» التابعة لـ«وحدة تنسيق الدعم»، الطبيب محمد سالم إنّ وصول «الكوليرا» إلى شمال وغرب سورية «متوقع»، لكن هناك خطورة كبيرة في حال وصل إلى المخيمات المكتظّة بالنازحين.
وبناءً على تقييم سريع أجرته السلطات الصحية والشركاء، يُعتقد أنّ مصدر العدوى مرتبط بشرب الأشخاص لمياه غير آمنة مصدرها نهر الفرات، وكذلك استخدام مياه ملوّثة لريّ المحاصيل، مما يؤدي إلى تلوّث الغذاء.
وقد تم تكثيف مراقبة الإنذار المبكر في المناطق التي تم الإبلاغ عن تفشّي المرض فيها وفي مناطق أخرى شديدة الخطورة، بما في ذلك في المخيمات التي تستضيف الأشخاص النازحين داخلياً.
إضافةً إلى ذلك، تمّ تسليم أربعة آلاف اختبار تشخيصي سريع لدعم عمل فرق الاستجابة السريعة المنتشرة للتحقق في الحالات المشتبه بها. كما تم إيصال المحاليل الوريدية وأملاح معالجة التجفاف عن طريق الفم إلى المرافق الصحية حيث يتم استقبال المرضى المؤكَّدة حالتهم.
وتتم تعبئة إمدادات كلٍّ من قطاع الصحة وقطاع المياه والإصحاح والنهوض بالنظافة في المحافظات المتأثرة. ويتم توسيع أنشطة المعالجة بالكلور لتعقيم المياه كما يتم زيادة معدلات التعقيم في المجتمعات الأكثر عرضة للمرض وذلك للحد من انتشاره. كما يتم نقل المياه النظيفة بالصهاريج إلى المواقع المتأثرة.
وكان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية د. أحمد المنظري قد تحدث في مؤتمر صحفي من دمشق عن الأوضاع الصحية في سورية في خضم تفشي الكوليرا في 6 محافظات وأشار إلى أن حالات الإصابة بداء الليشمانيات تتزايد أيضاً في جميع أنحاء البلاد.
وأشار إلى أنّ أكثر من 20,000 طفل دون سن الخامسة في جميع أنحاء سورية يعانون من سوء التغذية، ومنهم 1,500 طفل معرضون لخطر الإصابة بمضاعفات طبية.
فيما قالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية، د. إيمان شنقيطي، إنّ المخاطر التي يواجهها السوريون اليوم باتت أكبر من أيّ وقت مضى.
وأكّدت أنّ الأولوية القصوى في الوقت الراهن هي وقف انتشار هذا المرض الفتّاك من خلال الاستمرار في دعم فرق الاستجابة السريعة، وتوسيع نطاق الترصد والاختبار وتتبع المخالطين، مع تعزيز الوعي في المجتمعات المتضررة والمعرضة للخطر، حول سبل الوقاية، «كما نتعاون مع الشركاء في اختبار جودة المياه وتوزيع أقراص الكلور في المجتمعات المتضررة».
أشارت المسؤولة الأممية، د. إيمان شنقيطي، إلى أنّ الجهود في سورية تستند إلى نهج بثلاثة محاور: أولاً تلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر من 12 مليون إنسان في حاجة إلى المساعدة الصحية؛ وثانياً، إعادة النظام الصحي لأداء وظائفه من خلال دعم جهود تعافي المرافق الصحية وإعادة تأهيلها، وضمان توافر عدد كافٍ من المهنيين الصحيين الأكفاء؛ وثالثا دعم تعزيز المحددات الاجتماعية التي تؤثر في صحة السوريين فيما يتعلق بجودة المياه وإمكانية الحصول على الوقود والكهرباء وغيرها من الموارد الأساسية.
إنّ ما تتحدث عنه المسؤولة الأممية من استعادة الوضع الصحي الطبيعي للسوريين يتطلب حلاً سياسياً سريعاً لأنّ صحة السوريين اليوم موضوعة في الميزان السياسي، ولأن الرعاية الصحية لا يمكن ضمانها اليوم، بسبب تدهور الأوضاع السياسية والعقوبات التي تؤثر على الصحة العامة، والتدهور الاقتصادي ونقص الوقود والمياه والكهرباء الحاد، وهذا الوضع بحاجة إلى علاج جذري.