وهم الاحتلال بالاحتماء خلف «درع الليزر»
من بين ما جاء في «إعلان القدس» بين واشنطن وكيان الاحتلال الذي وقعه الرئيس الأمريكي بايدن مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» يائير لابيد في 14 يوليو/تموز 2022، ورد الحديث عن «التعاون في تقنيات الدفاع المتطورة كأنظمة أسلحة الليزر عالية الطاقة للدفاع عن سماء (إسرائيل)، وفي المستقبل عن سماء الشركاء الأمنيين الآخرين للولايات المتحدة و(إسرائيل)». وجاء ذلك قبل أيام قليلة من تبديد أوهام «الناتو العربي»، كما أنه أعاد التذكير بذلك الفيديو السينمائي الدعائي القصير الذي سبق أن نشره نفتالي بينيت في 14 نيسان 2022 ويظهر فيه عددٌ من قيادات جيش الاحتلال ولقطات مما قال إنها تجارب ناجحة عن اعتراض سلاح ليزر جديد يحرق طائرات دون طيار وقذائف هاون وصواريخ... مع مشاهد درامية لانفعال عدد من ضباطه الجالسين في قاعة يراقبون النتائج ثم ينهضون في تصفيق «هوليودي». وركز على أنّ كلفة الاعتراض الواحد لا تتجاوز 3.5 دولار فقط على حد قول بينيت آنذاك، وأنه «بذخيرة لا تنتهي» طالما هناك مصدر كهرباء. فما هي بعض الملابسات العسكرية والتكنولوجية والسياق السياسي والدعائي الذي جاء به هذا الحديث المتجدد للاحتلال عن ليزره الذي يحاول تصويره «كسلاح سحري»؟ وما دوافعه ودلالاته في سياق الأزمة الوجودية لكيانٍ لا يستطيع العيش إلا خلف الجدران الإسمنتية تارةً والحديدية والليزرية تارة أخرى؟
يعود البحث عن استخدام الليزر لاعتراض الصواريخ لأول مرة إلى سنوات التسعينيات من القرن العشرين. ولكن «إسرائيل» تخلت عن الفكرة بحلول عام 2000، لتعود بعد حرب لبنان الثانية عام 2006، فتستأنف مساعيها لإنشاء نظام لاعتراض الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى تطوير نظام «القبة الحديدية» بعد سنوات قليلة.
وبعد 2019 عمل الاحتلال على تطوير جهاز قائم على الليزر يقول إنه أقل تكلفة بكثير من القبة الحديدية، ويقوم على الليزر الكهربائي بدل الليزر الكيميائي المستخدم في الاختبارات السابقة.
في أوائل فبراير/شباط 2022، أعلن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نفتالي بينيت في خطاب ألقاه أمام ما يسمى «معهد دراسات الأمن القومي الاستراتيجي» في جامعة تل أبيب، خطط «جدار ليزر» لحماية الكيان من الصواريخ والطائرات دون طيار. وقال بينيت: «في غضون عام تقريباً [أي في 2023]، سيطلق الجيش (الإسرائيلي) نظام اعتراض بالليزر... في البداية تجريبياً وبعد ذلك ستصبح جاهزة للعمل. أولاً في الجنوب [يقصد مع قطاع غزة المحاصر] ثم في أي مكان آخر. سيسمح لنا هذا، على المدى المتوسط إلى الطويل، بتطويق (إسرائيل) بجدار ليزر يحمينا من الصواريخ والمقذوفات، والطائرات دون طيار وغيرها من التهديدات».
وفي العام الماضي، أعلنت شركة لوكهيد مارتن العسكرية الأمريكية وشركة رافائيل «الإسرائيلية» أنهما تتعاونان لإنشاء نظام سلاح ليزر أرضي لجيش الاحتلال. تم التوقيع على الاتفاقية في 27 يوليو/تموز 2021 وألمحت شركة لوكهيد إلى أنه سيتم تسويق النظام أيضاً إلى الولايات المتحدة. ولكن الحديث كان آنذاك أنّ منظومة ليزر كهذه لن تكون جاهزة قبل العام 2025، مما يطرح الشكوك حول إعلان تسريعه هل كانت حقيقية أم دعائية-سياسية؟ ويثير الشكوك أن يكون الأمر في إطار تهويل وتضخيم تغطيةً على أزمة الكيان المتفاقمة. ليس هذا فحسب بل يبدو أن الشركات العسكرية «الإسرائيلية» والأمريكية التي وراء المشروع تعوّل على بيع هذا الليزر لدول خليجية معولةً على استمرار حرب اليمن أو استمرار العدائية بين دول وشعوب المنطقة التي تم زرع الكيان كورم خبيث في جسدها، وخاصةً بين إيران والسعودية، الأمر الذي أظهرت التصريحات السعودية حول نفي «ناتو عربي» و«مد اليد إلى إيران» اتجاهاً معاكساً للأمنيات الأمريكية-الصهيونية.
بكل الأحوال وبخلاف التركيز أحادي الجانب على الإيحاء بأنه «سلاح سحري» سينقذ «إسرائيل» كما تحاول هي أن توحي. يمكن تسجيل النقاط والمعلومات التالية المتاحة حتى الآن:
أولاً: حتى لو افترضنا صحة مزاعم الكيان حول قدرات المنظومة الليزرية الجديدة، فإنّ هذا لا يغير من حقيقة أن تعقيد المواجهة والصراع مع الاحتلال والأزمة التاريخية له أكبر بكثير من أن يحلها تقدم تكنولوجي عسكري في هذا المجال أو ذاك، ولا سيما أنّ الحرب مع الشعوب التواقة للتحرر بخبرتها التاريخية وأسلوبها غير التقليدي وخاصة عبر تكتيك حرب الغوار والعمليات الفدائية التي تتزايد على مساحة الأراضي المحتلة، هي أعقد من أن تنفع معها أسلحة الجيوش التقليدية. وقد رأينا كيف أنّ بضع عملياتٍ فدائية لبعض الشبان المقاومين وأحياناً بمجرد «سلاح أبيض» فقط قادرة على استنفار الكيان بأكمله بمؤسساته الأمنية والعسكرية وفرقه الخاصة والمدججة بأعلى التكنولوجيات والأسلحة، وترهقه وتستنزفه بالمطاردة لعدة ليالٍ.
ثانياً: هناك جوانب ضعف في هذه التكنولوجيا يبدو أنها غير محلولة حتى الآن، والاحتلال نفسه عندما أعطى موعداً لعام 2025 ثم سرّعه فقال 2023 قال إنه سيبدأ «تجريبياً» ثم يتوسع إذا نجح. كما أنّ خبراء ذكروا بعض الشكوك حول الموضوع. على سبيل المثال صرح الخبير أبهيجيت ميترا زميل أقدم في «معهد دراسات السلام والصراع» في نيودلهي لموقع «أوراسيان تايمز» في شباط الماضي 2022 بأنّ: «الليزر يتطلب شعاعاً مركّزاً ليتم تثبيته على الصاروخ القادم لبضع ثوان، أليس كذلك؟ لكن لنتذكر، ما زلنا نكافح مع مشكلات الطاقة لأن من المعلوم أنّ شعاعاً واحداً لكي يسقط صاروخاً على الفور يحتاج قدراً هائلاً من الطاقة، وهو ما قد يكون ممكناً في سفينة، لسنا متأكدين تماماً، ولكن على الأرض، ولكي تكون متحركاً، يكاد يكون من المستحيل القيام بذلك». كما وأشار هذا الخبير وغيره أيضاً إلى مشكلة ضعف فعالية اختراق الليزر في الجو من جراء الظروف الجوية... مثلاً في المطر أو الضباب وما إلى ذلك... مما يطرح سؤالاً عن مدى دقة وفعالية «الحزمة الحديدية» لحماية «إسرائيل» من حرب شتائية مثلاً.
ثالثاً: عدا عن خصوصية حروب المقاومة الشعبية، فإنّ الحروب اليوم هجينة، ولم يعد ممكناً لأي قوة الفوز فقط بتطوير تكنولوجيا واحدة أو في مجال واحد عسكري بحت، بمعزل عن الأبعاد الاقتصادية السياسية والجيوسياسية والسيكولوجية والسيبرانية... ولدى الكيان الكثير من نقاط الضعف والتعرض للاختراقات في هذا المجال، فإذا كان يفخر بقبته وحزمته «الحديدية» فإنه اقتصادياً مكبل بـ«سلاسل فولاذية» إلى النظام الإمبريالي الدولاري العالمي المأزوم الذي يشهد النزع الأخير، مع الانزياح الجيوسياسي والاقتصادي الهائل في العالم اليوم ضد مصالحه وضد مستقبل وجود الكيان بالذات، وما سرّعته الحرب في أوكرانيا وحولها وما بعدها من تطوّرات «زلزالية» حقّاً.
رابعاً: يتحدث الخبراء أيضاً عن أنّه بخلاف الصواريخ غير الموجّهة، وقذائف الهاون، فإنّ فعالية الاعتراض بالليزر تعاني من تحديات إضافية في حال كان الهدف الصاروخي المهاجِم قادراً على المناورة، وذلك لأنّ عملية التبئير (التركيز focusing) لحزمة الشعاع الليزري على الهدف تصبح أكثر صعوبة وتحتاج لزمن تعرض أطول حتى تنجح باعتراضه.
خامساً: يعترف خبراء الاحتلال أنفسهم وخبراء آخرون في العالم على اطلاع على هذا النوع من الأسلحة الليزرية بأن المنظومة بأحسن الأحول لا يمكن أن تكون بديلاً عن القبة الحديدية بل إن الحاجة لها على ما يبدو تفتقت أساساً عن ضرورة تقليل التكاليف الباهظة للمنظومة الأساسية (القبة الحديدية). ويقول خبراء الاحتلال نفسه بأنه «تكميل» للقبة الحديدية وليس «بديلاً» عنها، مما يعتبر بحد ذاته نوعاً من الاعتراف بفشل القبة الحديدية بتحقيق الأهداف التي كانت مأمولة منها، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار ما انكشف من عيوب أدائها أمام حالات «الإغراق» بصواريخ المقاومة من غزة في معركة «سيف القدس» في أيار 2021.