في احتمالات تطور «المغامرة» الإماراتية

في احتمالات تطور «المغامرة» الإماراتية

تتعرّض الإمارات العربية المتحدة لسلسلة غير مسبوقة من الضربات التي يتم تنفيذها باستخدام طائراتٍ مسيرة وصواريخ بالستية، وفي الوقت الذي تبنّت فيه جماعة «أنصار الله» اليمنية معظم هذه الهجمات، أعلنت جماعة «ألوية الوعد الحق» العراقية عن تبنّي هجوم جديد بالمسيّرات، لنكون دخلنا بذلك مرحلة جديدة بتداعيات مهمة على منطقة الخليج وكامل الإقليم المتوتّر.

يجري بطبيعة الحال ـ ونظراً لأهمية هذا الحدث ـ تقديمُ مجموعة من الإجابات على سؤالين أساسيَّين؛ الأول، ما الذي أوصل الإمارات إلى هذا المأزق الصعب؟ والسؤال الثاني، ما هو المخرج الوحيد والإجباري منه؟

 لأخطاء السياسية القاتلة

إنّ تورُّطَ دول الخليج في حرب اليمن، والإصرارَ الضِّمني على حَسمها بالشكل العسكريّ تحوّل إلى نَفقٍ مظلم، فهذه الحرب والتي تَحمّل اليمنيون فيها أقسى الظروف الإنسانية، باتت تحمل المفاجآت لكلّ أطرافها، فتبدو كما لو أنها حربٌ غير منتهية يجري ضمنها استنزافٌ هائلٌ للموارد الاقتصادية والعسكرية والبشرية. لكنَّ المثيرَ للاهتمام أنَّ أولئك الذين أخذوا قرار الدخول في هذه الحرب لم يكونوا يتخيّلون أنها ستنتقل إلى أراضيهم، ولذلك كانوا مِن أشدّ المتحمّسين لها كونها تجري على أراضي وممتلكات الغير. لكنَّ الهجمات المتكرِّرة التي قام بها الحوثيّون ضد المملكة السعودية أولاً كانت حدثاً كافياً لتصوُّرِ المستقبل القريب القادم، وها هي اليوم تصل إلى أراضي دولة الإمارات مما يرفع تكلفةَ هذه الحرب بشكلٍ أكبر مما كان متوقعاً.

ولتعقيد المسألة أكثر؛ رضختْ دولةُ الإمارات عام 2020 لاتفاقية التطبيع المخزية مع الكيان الصهيوني والتي حولتها تلقائياً إلى مساهمٍ فاعل في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، فبدلاً من البحث عن آلياتٍ لخفض درجة التوتر القائمة في الخليج أصلاً، ذهبت الإمارات إلى تقديم أراضيها كساحةٍ متقدِّمة للكيان الصهيوني لينفّذ مِن موقعِه الجديد مهمَّتَه الموكَلة إليه تاريخياً.

 المغامرة الخطرة

يرى البعض أنَّ إيران التي «تتعرَّض لضغوط» بسبب برنامجها النووي والتي تخوضُ حرباً استخباراتيّة متواصلة مع الكيان الصهيوني، هي مَن أخَذ القرارَ بنقل المعركة إلى الأراضي الإماراتية كشكلٍ من أشكال الضغط عليها. وعلى الرغم من أنَّ هذا التفسير لا يقدِّمُ إجابةً كاملة إلا أنَّ إيران وبكل تأكيد تنظرُ بكثيرٍ من القلق لتطوُّر العلاقات الصهيونية والإماراتية، وتدرك طهران أنها أحدُ المستهدَفين من هذا التوسُّع ولذلك لا يمكن أنْ تمرّ اتفاقية التطبيع وما يرافقها من تنسيقات أمنية مع العدو دونَ ثمن، إلا أنَّ القلق الإيراني لا يُرَدُّ إلى اتفاقيات التطبيع فحسب، بل إنّ مصدرَه الأساسي كان وما زال القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج، والتي برهنت الأحداث الأخيرة أنها غيرُ معنيّة بالدفاع عن مستضيفِها، بقدرِ ما هي معنيّةٌ بتطويق إيران وتهديدِها، والحفاظ على درجة التوتر المطلوبة في المنطقة.

قراءة أولية في رد الفعل الإماراتي

لا يمكن الجزم بجوهر الاستراتيجية التي تعمل عليها الإمارات حتى اللحظة، فإذا ما أردنا إعادة ترتيب الصورة، يبدو واضحاً أنَّ دول المنطقة باتت تدرك جميعها أنَّ الانسحاب الأمريكي آتٍ، وأصبحت هذه المسألة تشكّل نقطةً محوريّة في فهم التغييرات الإقليمية حتى وإنْ لم يَجرِ الإعلان عن ذلك صراحةً. الإمارات وفي إطار استجابتها للهجمات الأخيرة تعملُ على وقف التقدُّم في اليمن مع الحفاظ على موطِئ قدم، إذْ إنّ «لواء العمالقة» المدعوم من قبل الإمارات عادَ مجدداً إلى مواقعه السابقة في خطوةٍ من شأنها التخفيفُ من الضغط الإماراتي مع إبقائه حاضراً ضمن الصورة. فالإمارات كغيرها من دول المنطقة دارتْ في الفَلَك الأمريكي وتعملُ اليوم على إعادة توجيهِ بوصلتِها، لكنَّ المناورة الإماراتية يجري تنفيذها بشكل أوسع أملاً في أنْ تنجحَ بحجز موقعٍ مؤثّر ضمن خريطة التوازنات الجديدة، وربما ترى الإمارات في علاقتها المسمومَة مع الكيان الصهيوني ورقةً للضغط على المنافسين الإقليميين دونَ أنْ تُدرِك أنها الخاسرُ الوحيد من هذه العلاقة، وأنها ستدفع ثمناً باهظاً لهذه الخطوة، بل إنّ هذا النمط من المغامرات في ظل تغيُّرات التوازنات السريعة في المنطقة من شأنه تقليلُ احتمالات «النجاة» وتحديداً بالنسبة لبلدٍ مثل الإمارات التي تفتقرُ لدعائم الاستقرار الاستراتيجي كتلك التي تملكُها إيران أو حتى السعودية.

هل تستطيع الإمارات تحمّل التبعات؟

لا تخفى طبيعة الاقتصاد الإماراتي على أحد، فهذا البلد الصغير وفي محاولته لتنويع مصادر دخله نحو اجتذاب رأس المال الأجنبي، ركّز على الاستثمارات بشكلٍ أساسي في مجال العقارات والخدمات والسياحة مما حوّل الإمارات وخلال فترة زمنية قياسية إلى مركز الأعمال الأبرز في المنطقة، لكنّ فكرةَ إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيَّرة هجومية وانتحارية على أراضيها تنفي الشرطَ الأول والضروري لنجاح مشروعها الطموح، حتى وإنْ تمكَّنت الدفاعات الجوية من التصدّي لها! فالمطلوب بالنسبة للمستثمرين مناخٌ آمن لا نظامَ دفاعٍ جويّ متطوّر وصواريخ بالستية تنفجر فوق رؤوسهم!

يبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في الإمارات ما يقارب 174 مليار دولار، وتحتلّ المرتبة 15 عالمياً عند الحديث عن قدراتها في جذب الاستثمارات، وتسيطر الإمارات اليوم على نسبةٍ تَفوق 54% من مجمل الاستثمارات الواردة إلى منطقة غرب آسيا. وإلى جانب هذا، يتطوَّر قطاع السياحة فيها بشكلٍ متسارع، حيث بلغت نسبةُ إشغال المنشآت الفندقية والسياحية 62% خلال النصف الأول من عام 2021.

من خلال هذه الأرقام يمكن إدراك خطورة الأجواء الحالية على اقتصاد البلاد الهشّ، فإذا كانت الإمارات ترى أنّ سياستها الخارجية تستحقّ تقديم خسائر فلنْ يتشارك رأسُ المال الأجنبي هذا الرأي معها، وسيكون مِن الآن في حالةِ البحث عن بدائل.

المخارج المتاحة

إذا كانت استضافة الإمارات للقوات الأمريكية وتنسيقها الأمني والعسكري مع الكيان الصهيوني لها هذه الثمن الباهظ، فسيكون هذا دون أدنى شك موضعَ بحثٍ وإعادة مراجعة، وذلك ضمن آجال زمنية قصيرة نسبياً، فمصلحةُ الإمارات اليوم تقضي إيجاد حلّ للنزاع اليَمنيّ يَسمح لها طيَّ هذه الصفحة وإلى الأبد، وتقضي أيضاً التفكيرَ مليّاً في كلّ المبادرات المطروحة على الطاولة، تلك التي تُعنى بخفض التصعيد في الخليج. ويبدو أنَّ مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة وجدَ أنَّ الفرصة مؤاتية فعلاً للتذكير بمبادرة بلاده في هذا الخصوص، فقال فاسيلي نيبينزيا في جلسة مجلس الأمن حول اليمن والتي انعقدت في 12 من شهر كانون الثاني الماضي أنه يودّ «التذكير بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 (الذي يعود لعام 1987 ويعالج الحرب العراقية الإيرانية) وغير ذلك من المبادرات، بما فيها المبادرة الروسية حول الأمن المشترك، التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة».

المبادرة الروسية ليست الوحيدة، فهناك مبادرةٌ صينية تتقاطَع معها في كثيرٍ من النقاط، وحتى أنّه توجد مبادرة إيرانية في هذا الخصوص. والكرةُ اليوم في ملعب دول الخليج التي باتَ بعضها يدرك أنَّ الانسحاب الأمريكي الوشيك سيفرض عليها إمّا قبول إحدى هذه المبادرات أو ربما تقديم مبادرة جديدة.

 

آخر تعديل على الجمعة, 11 شباط/فبراير 2022 15:36