هل ستختلف «قواعد الاشتباك» تجاه القوات الأمريكية في العراق خلال العام المقبل؟
أيامٌ قليلة تفصل العراق عن خروج القوات «القتالية» الأمريكية المزمع انسحابها أواخر الشهر الجاري، مع بقاء القوات التدريبية والاستشارية، في الوقت الذي ينظر كلٌّ من الشعب العراقي وفصائل المقاومة إلى هذا الأمر على أنه التفافٌ على إرادتهم وعلى قرار البرلمان العراقي القاضي بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد.
في الحقيقة، انسحاب القوات «القتالية» الأمريكية المقبل لا يحمل أيَّ أثر عسكري يُذكر، فالانسحابات الفعلية وإعادة تمركز القوات قد جرت عملياً خلال السنتَين الأخيرتَين، بعد تسليم الجيش الأمريكي لأكثر من 7 قواعد عسكرية بمحافظات ومناطق مختلفة للقوات العراقية. فضلاً عن أنّ القوات العسكرية الأمريكية لم تشارك بأيّ نشاط عسكري ميداني منذ نحو سنة بالحدّ الأدنى. وعليه فإن من المتوقع أنَّ عدد الـ 2500 عسكري أمريكي الموجودين حالياً في العراق لن يتغير كثيراً، وإنما سيختلف توصيفه، إلَّا أنَّ الحدثَ يحمل طابعاً سياسياً يُعبِّر عن انخفاض وزن الأمريكيين في العراق واستسلامهم للأمر الواقع: العراقيون لا يريدونهم في البلاد.
وخلال العامين الأخيرين، منذ صدور القرار البرلماني بإخراج القوات الأجنبية مطلع عام 2020، توالت هجمات واستهدافات شبه يومية على المواقع العسكرية والدبلوماسية الأمريكية في العراق وتحركات أرتال الدعم اللوجستي التابعة لها ولقوات التحالف الدولي، سواء عبر الصواريخ أو القذائف أو العبوات الناسفة أو الطائرات المسيّرة، كان آخرها استهداف المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد التي تضم السفارة الأمريكية، إلّا أنَّ هذه الهجمات قد كانت من حيث حجمها ووزنها محدودة وتحمل رسائل تحذيرية طوال هذه الفترة، تتضمن أنه: (ينبغي عليكم الخروج، وبإمكاننا الوصول إليكم).
وبينما يبرز تساؤلٌ لدى العراقيين، حول ما مصير القوات العسكرية الأمريكية خلال العام المقبل وما الخطوات اللاحقة لإخراجهم بشكلٍ كامل؟ توجد مؤشرات بأن الجواب تمتلكه فصائل المقاومة العراقية بعد كل الرسائل التحذيرية السابقة، لينتقل مستوى وحجم الاستهدافات من المحدودة والتحذيرية إلى المفتوحة والمباشرة بحال لم تُعطِ واشنطن ضمانات حقيقية بخروج قواتها بشكل كامل وبكل المسمَّيات.
تبرز خلال هذا الوقت من التوترات الكبرى في الداخل العراقي محاولات ضبط النفس التي تبذلها مختلف القوى السياسية والعسكرية في البلاد، سواء فيما يخص الأوضاع العسكرية أو السياسية أو الحكومية أو الخارجية.
بالتوازي مع هذه التطورات، تستمر خطوات التقارب الإيراني-السعودي بالمضيّ قُدماً على الأراضي العراقية، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان خلال مؤتمر صحفي مشترك له مع نظيره العراقي يوم الخميس، بأنّ بلادَه سوف تشارك في الجولة القادمة من المفاوضات مع السعودية في العاصمة العراقية بغداد، كما كشف عبد اللهيان بأن السعودية وافقت على منح تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين إيرانيين للإقامة في المملكة كإشارة على تحسُّن العلاقات بين البلدين.
إضافةً إلى ذلك لا يزال الشعب العراقي محافظاً على تحركاته الجزئية والمتباعدة، من تظاهرات واحتجاجات، مذكراً بوجوده بشكل يبدو منسَّقاً وحَذِراً بحيث لا يؤدّي إلى انزلاق البلاد نحو فوضى لا تُعرَفُ مآلاتُها، كان من أحدث وقائعها تظاهراتٌ في مدينة الناصرية قوبلت بقمعٍ وإطلاق رصاص بالذخيرة الحية من قبل القوات الأمنية العراقية، مما أدى لإصابة ثلاثة متظاهرين.