زيارة بينيت للإمارات واستثمار المطبّعين لجرائم الحرب
رهام الساجر رهام الساجر

زيارة بينيت للإمارات واستثمار المطبّعين لجرائم الحرب

مع انشغال الولايات المتحدة بإعادة هيكلة قوّتها على الساحة العالميّة، باتت خُطوات الكيان لضمان وجوده بعد انكماش الدور الأمريكي وتراجعه في المنطقة تظهر بشكلٍ أكثر وضوحاً، من خلال التحضير وإعداد العُدّة لذلك عبر اتفاقيّات التطبيع التي يحاول جاهداً أنْ يُحقّق فيها سِلماً ما عَجِز عن تحقيقه حرباً، لما يتضمّنه هذا التراجع من خلطٍ للأوراق يكون هو المُتضرر الأكبر فيها.

استقبل وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، في الثاني عشر من الشهر الجاري، رئيس الوزراء الصهيونيّ نفتالي بينيت في قصره الخاص، وهو أول لقاء علنيّ من نوعه بين الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة ومسؤولٍ رسميّ من كيان الاحتلال الصهيونيّ، وتأتي هذه الزيارة بعد عامٍ من إقامة الدولة الخليجية علاقاتٍ دبلوماسيّةٍ مع الكيان بموجب سلسلةٍ من الصفقات التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والمعروفة باسم «اتفاقيات أبراهام».

 

بين السريّ والعلنيّ

لم يكن قرار بعض الدول العربيّة بإقامة علاقاتٍ رسميّة وعلنيّة مع الكيان الصهيونيّ يتعلق بالسلام أو التفاهم، بل يُعدّ ذروة عمليّة تراكميّة ظلّت إلى حد كبير خلف الأبواب المُغلقة لسنوات، فمن ينظر إلى طبيعة الاتفاقات الاقتصاديّة والأمنيّة والسياسيّة يصل لاستنتاجٍ حاسم بأن التطبيع ليس جديداً إلا أنّه حَوَّلَ السرّيّ إلى علنيّ، فالحديث عن مباحثات ترتبط بمجالات الطاقة المُتجدّدة والنفط وموارد الغاز الطبيعي والتقنيات ذات الصلة وصولاً إلى مشاريع تحلية المياه هو ليس حديثاً بين أطرافٍ شرعت للتو في تطبيع العلاقات بينها.

مُنذ توقيع اتفاق تطبيع العلاقات ارتفعت وتيرة التعاون بين الجانبين، وتمّ إبرام ما لا يقل عن ستين مذكرة تفاهم في مجالاتٍ مختلفة، حيث زادت قيمة تبادلاتهما التجاريّة الثنائيّة المُسجّلة بواقع عشرة أضعاف خلال الأشهر العشرة الأولى فقط من عام 2021، لتصل إلى ما يقارب 900 مليون دولار، كما بلغ حجم الصادرات 270 مليون دولار والواردات 373 مليون دولار، أما الاستثمارات فقد تجاوزت المليار دولار .

فقد وقّعت البنوك والجامعات وشركات الطيران وشركات التكنولوجيا في البلدين اتفاقيات شراكة، ما رفع عدد الشركات الصهيونيّة الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتكنولوجيا المالية والزراعة بشكلٍ ملحوظ في الإمارات، كما أجرت جيوشها تدريباتٍ مشتركة، وأنشأت الإمارات في آذار الماضي صندوق استثمارٍ بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في القطاعات الاستراتيجيّة لدى الاحتلال، بما في ذلك الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحيّة والتكنولوجيا الزراعيّة وغيرها.

ووضعت شركة «ديليك للحفر» الصهيونيّة، في أيلول، اللمسات الأخيرة على اتفاق بيع طاقة ضخم مع صندوق الثروة السيادية الإماراتي «مبادلة»، تحصل بموجبه الإمارات على حصة في حقل «تمار» للغاز الطبيعي بقيمة مليار دولار، كما قدمت شركة موانئ دبي العالمية «عطاءات» لبناء موانئ في مدينة حيفا، وافتتحت شركة «إلبيت سيستمز» (Elbit Systems) الصهيونيّة –التي تنتج طائرات مسيرة مسلحة وتقنيات للمراقبة – فرعاً لها في الإمارات.

 

التربح من جرائم الحرب

تحت عنوان «الإمارات تتربّح من جرائم الحرب الإسرائيلية»، نشر موقع «موندويس» (Mondoweiss) الأميركي مقالاً كتبته الناشطة ماريون قواص استعرض فيه تنامي العلاقات بين الإمارات وكيان العدوّ، وفتح الأسواق الإماراتية للمنتجات الصهيونيّة، كنتيجة لاتفاقية التطبيع المبرمة بينهما.

واعتبرت الكاتبة أنّ السماح لهذا التعاون بأن ينمو أكثر يعني أنه لا توجد حواجز أمام التجارة، وأنّ هذا يعني أيضاً أنّ انتهاكات العدوّ للقانون الدولي، والذي يمنع استغلال شعبٍ محتل أمرٌ لا يهمّ الإمارات، وكذلك التاريخ الدمويّ الملطخ للصناعة العسكريّة الصهيونيّة ضد الشعب الفلسطيني.

وأوردت ماريون قواص تصريحاتٍ لرئيس غرفة تجارة دبي، قال فيها إنّ استيراد سلعٍ مُصنّعة في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة يدعم الاقتصاد الفلسطيني!! معتبرةً ذلك «وقاحة» من قبل المسؤول الإماراتي، كما اعتبرت أنّ إضفاء الشرعية على سرقة الاحتلال للأراضي العربية، لا يزال إلى حد كبير عملاً معتاداً بالنسبة للإمارات.

وخَلُصت كاتبة المقال إلى أن التربّح من جرائم الحرب والفصل العنصري الصهيونيّ هو «خطأ أخلاقي»، كما يُعدّ مساعدةً وتحريضاً على نهب الممتلكات والموارد الفلسطينيّة، وذلك وفقاً للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، وبحسب قواص «فإن المدّ يتغيّر» وأنّ «كل هؤلاء المتواطئين، سواء كانوا أنظمةً استبداديّةً عربيّة أو حكومات ومسؤولين غربيين مخادعين، سيُحاسَبون على تمكين تاريخ (إسرائيل) الطويل والدامي من نزع مُلكيّة الفلسطينيين، لن ينسى الفلسطينيون وأنصارهم أبدًا من وقف في الجانب الخطأ من التاريخ واستهزأ بحقوقهم الإنسانية».

 

فك ارتباط .... ولكن لمن؟

إنّ جُملة الاتفاقيات الاقتصادية وما تُعبّر عنه سياسياً يتم تقديمه من كلا الطرفين على أنّه «خُطوةٌ تاريخيّة» لإحلال السلام في المنطقة والذي ينضوي تحته الهدف الأبرز بفك ارتباط الدول العربيّة عن القضيّة الفلسطينيّة، وتصفيتها عبر «السلام الاقتصادي» بما يعنيه من تقويض اشتراط إنهاء الصراع مع العدوّ الصهيونيّ قبل التطبيع، بالإضافة لحرف أنظار شعوب المنطقة عن عدوّها الحقيقي، وذلك بالاستفادة من حشد الحكومات العربيّة المطبِّعة حوله، كونه الآن بعيداً عن الأولوية الأمنيّة الأساسيّة لهذه الأنظمة، التي لا تجد حرجاً من مشاركته مخاوفه العميقة بشأن عدم الاستقرار الإقليمي، تحت يافطة «التهديد الإيراني» للمنطقة.

إلا أنّ هناك فك ارتباطٍ آخر يجري تأمينه وسط الفراغ الذي ستخلِّفُه الولايات المتحدة، ففي سياق الانسحاب العسكري تستكمل واشنطن نشاطها بتقديم كلّ ما يُمكن تقديمه لحليفها «الصهيوني» عَبر مَلْءِ هذا الفراغ باتفاقيّات وعلاقات اقتصاديّة تهدف إلى تعميق التبعيّة للكيان وتثبيت وجوده في المنطقة قبل أن تتركه وحيداً، هذا الوجود الذي لا وزن له دونها، والذي أصبح يشكّل – وفقاً لأحد القادة العسكريين الأمريكيين «عبأً استراتيجياً من الدرجة الأولى» عليها، أملاً منها – كأمل إبليس – في متابعة الدور الوظيفي لـ«إسرائيل» الصهيونيّة، واستكمال «مشروع بيريز للشرق الأوسط» متناسين الحقيقة التاليّة: بأنّ وزن أيّة خطوة سياسيّة تجري اليوم، وتقدير تأثيرها المستقبليّ لا يمكن أن يقاس إلا تِبعاً لتماشيها مع واقع التوازن الدوليّ الجديد، وأنّ المُراهنة على القفز فوق التوازنات الدولية لن يعود على أصحابها إلا بالغرق أكثر فأكثر بمستنقعٍ من الأزمات لا ينتهي.

 

 

آخر تعديل على الأربعاء, 29 كانون1/ديسمبر 2021 14:57