الفلاحون اليوم جزء من الثورة العمّالية أكثر من أيّ وقت
برافات باتنايك برافات باتنايك

الفلاحون اليوم جزء من الثورة العمّالية أكثر من أيّ وقت

تتطوّر النظرية الماركسية بتطوّر الأزمنة، حيث إنّ الرأسمالية نفسها تتغيّر وتتطور، ولهذا فالماركسية نظرية حيّة عليها أن تتطوّر. وفيما يخصّ دور الفلاحين في العملية الثورية التي تؤدي إلى تجاوز الرأسمالية، هناك تطوّرات يجب الانتباه إليها.

ترجمة : قاسيون

تحدّث إنجلس عن الحاجة للدخول في تحالف مع قطاعات من الفلاحين والعمّال الزراعيين للكفاح في ثورة للإطاحة بالرأسمالية. ثمّ جاء لينين وطوّر هذا الأمر ليصبح هو الموقف الماركسي الرئيسي للقرن التالي. وكان موقف لينين باختصار، هو أنّ البلدان التي وصلت متأخرة إلى الرأسمالية، تتحالف البرجوازية فيها – وهي التي تواجه تحدياً من العمال – بشكل تلقائي مع ملاك الأراضي الإقطاعيين، حيث يخشون أن يكون الانقلاب على الإقطاعيين هو بداية الانقلاب ضدّ هؤلاء البرجوازيين الكبار أنفسهم. فالظروف التي حدثت إبان الثورة البرجوازية في فرنسا 1789 وسمحت للبرجوازيين بحمل لواء الديمقراطية، لم تعد موجودة منذ بداية القرن الماضي، ولهذا فالطبقة الوحيدة التي كانت وما تزال تسعى للديمقراطية، بالشكل الأكثر جذرية وحتى النهاية، هي البروليتاريا، وينضم الفلاحون إليها لكون مطالبهم الديمقراطية في الخلاص من الإقطاع لم تتم تلبيتها.

إذاً باختصار، الثورة الديمقراطية يجب إنجازها بتحالف العمّال والفلاحين، وقد باتت الحاجة لهذا التحالف أشدّ منذ أيام لينين بسبب تطور الرأسمالية. وهناك تطوران لهما صلة وثيقة بالموضوع بشكل خاص:

الأول:

مع ازدياد قوة رأس المال المالي العالَمي والدخول في السياسات النيوليبرالية في ظلّ هيمنته، تمّ تمهيد الطريق لتعدّي رأس المال الاحتكاري والشركات الكبرى العابرة للحدود على زراعة الفلاحين. لم تعد مواجهة الفلاحين اليوم مقتصرة على الاضطهاد الممارس عليهم من جانب طبقة ملّاك الأرض، بل تعدّتها إلى تعرّضهم كذلك إلى طغيان رأس المال الاحتكاري.

رأس المال الاحتكاري يكسب أرباحاً هائلة، فوق وأكثر من معدلات الربح العادية التي كان يمكن جنيها في رأسمالية السوق الحرة القديمة، وليس ذلك على حساب العمّال وحسب «عبر رفع معدّل القيمة الزائدة»، بل أيضاً على حساب الرأسماليين الصغار، والمنتجين الصغار بما في ذلك الفلاحين. ويتم ذلك عبر قلب «الشروط الطبقية للتجارة» ضدّ الزراعة الفلاحية، لحساب رأس المال الاحتكاري.

عندما يكون هناك زيادة في التسهيلات والإعانات المقدّمة لرجال الأعمال وتقديم التنازلات الضريبية للمحتكرين، والتي يقابلها خفض في الدعم الاقتصادي للفلاحين من خلال تقييد الدعم وأسعار الشراء من الفلاحين، تذهب عندها حصة أكبر وأكبر من المنتوج إلى جيوب الاحتكارات وبشكل أرباح فائقة على حساب الفلاحين.

والانتهاكات التي يقوم بها رأس المال الاحتكاري ضد الزراعة الفلاحية ليست فقط عبر شكل التدفق (إعادة توزيع الدخل من الزراعة إلى الاحتكاريين)، بل أيضاً عبر شكل الأسهم (إعادة توزيع السيطرة على الأصول من الفلاحين إلى الاحتكاريين). وهذان الشكلان مرتبطان ببعضهما عادة بشكل وثيق، وحصيلتهما النهائية إهلاك الزراعة المصحوب بهجرة الفلاحين المحزنة إلى المدن للبحث عن عمل.

الثاني:

هو الإدخال التنافسي للتطور التكنولوجي، والذي يأتي مع سمة التجارة غير المقيدة نسبياً المصاحبة للنيوليبرالية، والذي يعني ضمناً تباطؤاً عاماً في معدل نمو العمالة. حتّى عندما يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي داخل النظام النيوليبرالي، فمعدل نمو إنتاجية العمل يرتفع إلى درجة تكون أسرع بكثير بالمقارنة بنمو توظيف العمالة البطيء. وإذا لم يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي، فنمو توظيف العمالة سيضعف إلى حدّ أكبر حتّى.

يعني هذا، مع ازدياد هجرة الفلاحين للمدن، بأنّ جيش البطالة الاحتياطي سيكبر، ما سيضعف القوة التفاوضية للقسم الصغير من العمال الذين تمّ تنظيمهم نقابياً. وبما أنّ جيش البطالة الاحتياطي لا يفرّق بين الأشخاص العاطلين عن العمل، بل يجمعهم في رباط البطالة، فالنتيجة لتضخمه بسبب خنق الفلاحين، هو زيادة سوء ظروف حياة الأشخاص العاملين والكادحين ككل.

 

كفاح الفلاحين حول العالم، وفي الهند تحديداً

ضمن هذا السياق، فالكفاح الفلاحي الجاري حالياً في الهند له أهمية حاسمة. يكافح الفلاحون الهنود ضد القوانين الثلاثة التي أصدرتها الحكومة والتي تهدف لفتح الزراعة الفلاحية بشكل مكشوف لتعدّيات رأس المال الاحتكاري.

قبل هذه القوانين، صاغت حكومة مودي تشريعات مناهضة للعمال ستقوض التنظيمات العمالية وتؤدي لزيادة درجة استغلال العمال. التحالف بين العمال والفلاحين في عالمنا اليوم سببه ليس فقط أنّ الكفاح ضد ملاك الأراضي يمكن أن يحقق تطلعات الفلاحين الديمقراطية تحت قيادة الطبقة العاملة، بل لأنّ قَدَر الطبقة العاملة والفلاحين مرتبط بشكل لا تنفصم عراه ضمن الطور الحالي للرأسمالية، بحيث أنّ كلَيهما ضحية لاعتداء رأس المال العابر للحدود ومكوناته المحلية من الرأسماليين الاحتكاريين.

من هنا يمكننا أن ندرك بأنّ نضال الفلاحين في الهند ليس مجرّد صراع عادي عابر، فهو ليس كفاحاً من أجل تحقيق مطلب اقتصادي بسيط يمكن حلّه من خلال «المفاوضة والأخذ والعطاء». إنّه كفاح يمتدّ بجذوره إلى صميم الوضع القائم. إنّها معركة انتصار أو موت.

يضع هذا الحكومات في موقع يجب عليها فيه صراحة أن تعلن ما إذا كانت تقف إلى جانب الشعب أم إلى جانب الشركات الكبرى العابرة للحدود. وإن كانت الحكومات ستقف مع الشركات الكبرى العابرة للحدود، كما تفعل الحكومة الهندية الحالية، فهذا سيعني ضربة كبيرة للديمقراطية في البلاد.

 

بتصرّف عن: Peasants and the Revolution