ماذا يعني تغيير سلوك الغرب اتجاه النظام؟!
كثيرة هي الأحداث والتحركات المتعلقة بسورية التي جرت خلال الشهرين الماضيين، والتي تستحق التفكر لوضعها ضمن سياقٍ أوسع وأكثر حقيقية مما يعلنه «الرسميّون».
لا بد بداية من الإشارة إلى بضع مسائل أساسية تتعلق بالشعار الغربي القائل بـ«تغيير سلوك النظام»:
أولاً: إنّ تبني الدول الغربية لشعار «إسقاط النظام»، يختلف اختلافاً جذرياً عن تبني جزء من المتظاهرين السوريين للشعار نفسه؛ فبالنسبة للغرب، لم يكن المقصود من هذا الشعار، بأي حالٍ من الأحوال، الوصول إلى تغيير حقيقي يقرر الشعب السوري فيه مصيره بنفسه. على العكس من ذلك، فإنّ التجربة الحيّة في سورية وغيرها، تثبت أنّ المقصود كان إسقاط الدولة ككل (كما جرى في العراق وليبيا).
ثانياً: الانتقال من خطاب «إسقاط النظام» إلى الحديث عن «تغيير سلوكه»، بدأ عملياً منذ أواسط 2016، وكانت البادئة به هي بريطانيا، ومن ثم بات هذا الحديث خطاباً موحداً لدى الغربيين.
ثالثاً: الإطار التاريخي لهذا الانتقال من «الإسقاط» إلى «تغيير السلوك»، هو الدخول العسكري الروسي المباشر الذي بات واضحاً بعد أشهرٍ منه، وبعد النتائج السريعة التي حققها ضد داعش خصوصاً، أنّه سيمنع سقوط الدولة على الطريقتين العراقية والليبية.
رابعاً: مع إدراك الغرب لهذه المسألة، فقد استمر في الحفاظ على الاستهداف نفسه مع تغيير الأدوات؛ فبات الاستنزاف العسكري طويل الأمد هو الأداة الأساسية في إنهاء البلاد.
خامساً: تشكيل ثلاثي أستانا، وتمكّنه -عبر مناطق خفض التصعيد- من تخفيض مستوى الاقتتال إلى الحدود الدنيا، دفع الغربيين إلى تغيير الأدوات مرة أخرى باتجاه الاستنزاف الاقتصادي، وقد استفادوا في هذا الإطار بشكل كبير من تعفن وفساد بنية المنظومة السائدة واشتراكها الفعّال في استنزاف سورية والشعب السوري. استفاد الغرب كذلك من حالة تقسيم الأمر الواقع التي أسهم فيها إسهاماً فعالاً عبر الاستمرار في محاولة منع إنهاء النصرة ومحاولات تبييضها، وعبر استمرار الوجود العسكري الأمريكي في الشمال الشرقي.
سادساً: تسمح قراءة الوضع الاقتصادي في سورية خلال السنوات الماضية بتبين الانتقال الأخير الذي أشرنا إليه، أي انتقال مركز ثقل العمل الغربي باتجاه الاستنزاف الاقتصادي، والذي شكل «قيصر» أحد عناوينه الأساسية؛ حيث أنه خلال عامي 2019 و2020، بلغت سرعة الانهيار الاقتصادي في سورية 34 ضعف سرعة الانهيار الاقتصادي الوسطية من نهاية 2012 إلى نهاية 2018.
سابعاً: في اعتقادنا، فإنّ الاستهداف الغربي (والأمريكي-البريطاني-الصهيوني خاصة)، في سورية، ومما قبل 2011 وبعدها، كان على مستويين: حد أعلى هو إنهاء وجودها كوحدة جغرافية سياسية، وحد أدنى هو إنهاء الدور الوظيفي لها، والذي يترجمه الموقف من الصهيوني خاصة... وإذا كان الوصول إلى الحد الأعلى قد بات شديد الصعوبة بوجود الروسي على الأرض، وبتأثير ثلاثي أستانا الذي يشكل تقسيم سورية خطراً مباشراً على أمن دوله، فإنّ الحد الأدنى ما يزال قابلاً للتحقيق من وجهة النظر الغربية... وبوضوح: فإنّ اقتلاع سورية من الموقف المعادي للصهيونية هو جوهر الترجمة العملية لشعار «تغيير سلوك النظام».
بإعادة ترتيب الأمور، يمكن قول التالي:
- «التنازلات» و«التسهيلات» التي يقدمها الأمريكي، وخاصة تلك المتعلقة بقيصر، وكما يقول هو نفسه، مقترنة بـ«تغيير سلوك النظام».
- وفهم الأمريكي والصهيوني لتغيير سلوك النظام يتمحور حول إعادة ترتيب المنطقة بما يتناسب مع عملية الانسحاب وإعادة التموضع الأمريكي في الصراع الأكبر مع الصين.
- إذا استخدمنا لغة «قانون قيصر نفسها»، فإنّ بين أهداف العقوبات إيجاد حكومة في سورية تحترم: peaceful co-existence with its neighbors... (التعايش السلمي مع جيرانها).
- إعادة ترتيب المنطقة ضمن هذا المعنى، تحمل عناوين واضحة: (حشد الأنظمة العربية المطبعة وغير المطبعة في خانة واحدة ضد إيران وتركيا وروسيا، وإدماج الصهيوني في هذه المنظومة كحليف!).
الدور الذي يراد دفع الأردن للعبه هذه الأيام، ومصر بشكل أقل مباشرة، وخط الغاز «العربي»، وكذلك العمل الإماراتي والفرنسي... كل هذه الأدوار، لا يمكن قراءتها بشكل صحيح دون وضع مجمل الإحداثيات السابقة بعين الاعتبار...
يبقى أن نقول إنّ مجمل هذه الإحداثيات، هي رأي ورغبات طرف ضمن صراع متصل داخلي وإقليمي ودولي، وهو الطرف الأضعف والمتراجع بالمعنى التاريخي رغم كل مظاهر القوة التي يحاول تصويرها.
المطلوب سورياً هو تغيير النظام عبر الحل السياسي وعبر التطبيق الكامل للقرار 2254... المطلوب هو تغيير جذري شامل يغير كل ما يحتاج إلى تغيير في سورية، أي يغير كل شيء تقريباً، ولكن يحافظ على الشيء الأكثر جوهرية وهو دور سورية الذي بناه الشعب السوري بدمائه، أي الموقف من الصهيوني... تغيير يعزز ذلك الموقف ويدفعه نحو الأمام، عبر خلق الأساسات المادية اللازمة له، وعلى رأسها استعادة كرامة السوريين وسيادتهم ووحدتهم ووحدة بلادهم...