الحرب الباردة الجديدة ستورّم مفاصل أمريكا المتداعية
آلاستير كروك آلاستير كروك

الحرب الباردة الجديدة ستورّم مفاصل أمريكا المتداعية

هل يمكن للأمريكيين، وهم الذين نقلوا أغلب قدراتهم الصناعية إلى الصين بهدف تحقيق ربح قصير الأمد، أن يتحملوا خوض حرب باردة جديدة مع الصين تعني فكّ الارتباط بها؟

ترجمة: قاسيون

لا يزال الجدال في واشنطن قائماً حول النهاية الفوضوية «للحرب التي لا تنتهي» بعد مغادرة الأمريكيين لأفغانستان. وفي حين أنّ البعض لا يزال يبرر هذا الانسحاب بالحاجة للتركيز المهووس على الصين، فالبعض الآخر يشكك بأنّ خطاب «احتواء الصين» هذا مجرّد دخان للتورية على التراجع المهين للولايات المتحدة ولصقورها على الساحة العالمية.
يشبه هذا التراجع «تراجع روما» في فترة تقهقرها إلى مقاطعاتها القريبة، وإلى دوائرها الداخلية حيث أعتى مواليها لا يبالون بها. أهمّ هذه المناطق هي تلك التي احتلها الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية: اليابان وألمانيا، ولدينا أيضاً «إمبراطورية العالم» التي توجد حيث يوجد الجنود والمنشآت العسكرية الأمريكية.
فإذا ما نظرنا إلى «إمبراطورية العالم»، فخر الإمبرياليين الأمريكيين، فكابول التي انسحب منها الأمريكيون تعكس ضمن هذا السياق تغيّر عصر. الهزائم التي تتعرّض لها الإمبراطورية على الحدود البعيدة لها عواقب عميقة في الداخل، حيث يتدفق الشعور بالتراجع بشكل متسارع إلى الجدالات المحلية، وهو ما يوسّع بدوره الانقسامات الإيديولوجية المتزايدة.
يتغيّر التوافق الداخلي الأمريكي ببطء، وبعدها وتحت وطأة ضغط جاء في الوقت الصحيح، سينهار كليّاً. بعد ذلك، وبطرق خفية وفوضوية في بعض الأحيان، يأتي التغيير من أمثال ترامب: تغيير واقعي مناهض للتدخل، ويكون شبه محترم أحياناً.
في كتاب «استراتيجية الإنكار: الدفاع الأمريكي في عهد نزاع القوى العظمى» لكاتبه الذي كان مستشاراً للدفاع الوطني في عهد ترامب، يبدو الخطاب أكثر واقعيّة وأقرب للمنطق. تصبح أوروبا وفقاً لهذا الخطاب، مجرّد عرض جانبي يلهي عن الهدف الأهم: الصين، ويصبح التركيز على كوريا الشمالية أو إيران أمراً مضللاً بدوره.

 222

توافق مهشّم منذ الولادة


لكنّ هذا الخطاب التوافقي الجديد يحوي بدوره على الكثير من التناقضات التي تخرج للعلن واحدة تلو أخرى، والتي يمكن أن تكون قاتلة له. التناقض الأبرز هنا أنّ الصين – بوصفها عدواً يتحد ضده الأمريكيون – قد لا تكون موجودة، وذلك لأسباب بسيطة وقابلة للإدراك.
أولاً: يشير الخطاب التوافقي إلى أنّ الوسيلة الفضلى لإضعاف الصين هي معادلة «العالم ضدّ الصين»، حيث يقوم تحالف عابر للحدود يجمع القوى «الديمقراطية» ضد قوى «الاستبداد». ينسى هذا الخطاب أنّ العالم اليوم ليس هو ذاته عالم ما بعد 11 أيلول. فالعالم ينظر إلى ما يحدث في أفغانستان والعراق وسورية... إلخ، ولا يبدو أنّ القيم «الديمقراطية الغربية» تثير شهيته.
ثانياً: فقد الأوروبيون الثقة في رؤية العالم الأمريكية، ولم يعد لهذه الرؤية أساسات تفرض نفسها بمجرّد قول الأمريكيين لها. مع فراغ النموذج الأوروبي، باتت دول أوروبا تبحث عن التجارة، ومن هنا بات موقفها واضحاً: إنّها بحاجة للصين أكثر من حاجة الصين لها.
ثالثاً: يفترض الأمريكيون بأنّ شركاتهم الرأسمالية وأصولها الهائلة ستكون عوناً قوياً ضدّ الصين. لكنّ هذا ليس حقيقة، فرغم أنّ لدى الصين مشكلاتها الاقتصادية، فهي على عكس معظم الدول الغربية، تقوم بالتخلّص من النيوليبرالية ومطرقتها الموجهة التي تصيب الأظافر بشكل متزايد، وتقوم الصين بشكل واعٍ بالابتعاد عن نموذج التشوهات وأسعار المساكن المرتفعة وظروف الحياة المتدنية واللامساواة الهائلة والضرر الاجتماعي البالغ. سيكون من الحمق الاستهانة بقدرة الصين على التغيير.
رابعاً: نزيف التوتر الداخلي الأمريكي. وكما يقول بوكانان: «خلافاً للقرن الماضي، فالانقسامات في القرن الحادي والعشرين أوسع، وهي ليست اقتصادية وسياسية وحسب، بل اجتماعية ومعنوية وثقافية وعرقية أيضاً. الإجهاض، وزواج المثليين، وحقوق المتحولين جنسياً تقسمنا. الاشتراكية والرأسمالية تقسمنا. العمل الإيجابي، وحقوق السود تهم، والجرائم المدنية، وعنف الأسلحة، ونظرية الأعراق تقسمنا. الادعاء بتميّز البيض وتفوقهم، والمطالبات بالمساواة في الفرص تقسمنا. حتّى في كوفيد-19، ارتداء الكمامة واللقاح تقسمنا».

هل يبدو في ظلّ هذا أنّ إطلاق حرب باردة جديدة ضدّ الصين منطقي؟ هل يمكن لأمريكا، وهي التي تعيش لحظات خطورة بالغة فيما يخصّ نظامها الاقتصادي والمالي، أن تتحمّل تكاليف الضغوط الاقتصادية الإضافية التي ستجلبها حرب باردة مع الصين؟ هل يمكن للأمريكيين، وهم الذين نقلوا أغلب قدراتهم الصناعية إلى الصين بهدف تحقيق ربح قصير الأمد، أن يتحملوا خوض حرب باردة جديدة مع الصين تعني فكّ الارتباط بها؟ هل تتوافق جميع الشركات الأمريكية على أنّ انتقال القوة الاقتصادية إلى آسيا وضرب النظام القائم على الدولار سيعني تقويض وجودها؟

بتصرّف عن: The China Cold War Will Unstick America’s Glue