مِن تاريخ البطولات الفلسطينية بالفرار من سجون الاحتلال

مِن تاريخ البطولات الفلسطينية بالفرار من سجون الاحتلال

بمناسبة عملية «نفق الحرية» التي نفّذها مؤخراً ستة أسرى أبطال، من سجن «جلبوع» الصهيوني شديد التحصين، من المفيد التذكير ببعض محطات نضالية سابقة من هذا النوع، عبر الأمثلة التالية التي اخترناها بإيجاز من قصص أكثر وتفاصيل أكبر، سبق أن جمعها ونَشَرَها موقع «باب الواد» الفلسطيني عام 2017.

تحرير أسرى سجن عتليت

كانت واحدة من أبرز المعارك التي خاضها الفلسطينيون خلال الثورة الفلسطينية الكبرى، وتحديداً في 16/7/1938، عندما قام مئتان تقريباً من رجال القائد «أبو درّة» بمهاجمة سجن عتليت التابع للاحتلال البريطاني، جنوب حيفا، بقيادة سليم الصعبي من قرية عين غزال وإشراف يوسف حمدان. حيث سيطر الثوار على منزلٍ يبعدُ عن السجن 300 م من جهة الشمال، بينما أطلق عددٌ آخرٌ منهم النار على مراكز حرّاس السجن فقتلوهم. وكَمَن ثوارٌ آخرون واشتبكوا مع قوات بريطانية قادمة من حيفا لثلاث ساعات، انسحبوا بعدها إلى جبل الكرمل بعد قتل عشرين بريطانيّاً وضابطاً صهيونياً. واستُشهد من الثوار محمد قاسم الشواهين من قباطية.

ويجدر بالذكر أنّ «أبو درّة» هو الشيخ المجاهد يوسف سعيد جرادات، وُلد في قرية السيلة الحارثية غرب جنين عام 1900، وبدأ حياته فلّاحاً، ثمّ عاملاً كادحاً في السّكة الحديدية. وفي حيفا، التقى بالشيخ عزّ الدين القسّام، وانضمّ إلى جماعته. وقاتل تحت قيادته في أحراج «يعبد» في المعركة التي استُشهد فيها القسّام مع عددٍ من رفاقه عام 1935. أما المناضل يوسف حمدان فكان قائداً لفصيل ثوري من 15 مقاوماً في أم الفحم.

 

حمزة يونس يهرب 3 مرات

وقعت بداية 1964، مناوشاتٌ عنيفةٌ بين بطل الملاكمة حمزة يونس، ابن قرية عارة في المثلث، جنوب حيفا وابن عمه مكرم يونس من جهة، وبين صهاينة في إحدى محطات الوقود في الأراضي المحتلة عام 1948 من جهة ثانية، حيث اتهموه ظلماً بعدم دفع فاتورة وأهانوه. وبعد أن دافعا ضد المعتدين، لاذا بالفرار، وعلما لاحقاً أنّ أحد الصهاينة الذين اشتبكا معهم أُصيب بارتجاجٍ في الدماغ وحالته صعبة، فهربا ونجحا بتخطّي الحدود ودخول قطاع غزة الذي كان تحت السيطرة المصريّة في حينه، لكن المخابرات المصريّة طلبت منهما العودة من حيث أتيا، ويقول «تركونا نسلك طريقاً وعراً قد لا يكون خالياً من حقول الألغام. وأدّت عودتنا العشوائية إلى القبض علينا، حيث ركبنا حافلةً متّجهةً من بئر السبع إلى عسقلان، وهذه المنطقة من المناطق المحظورة على العرب»، وهكذا اعتُقل حمزة ومكرم في 1 نيسان 1964 وزُجّ بهما في سجن عسقلان. وفيما يلي ملخّص لوصف عملية الهروب كما وردت في كتاب سيرته الذاتية «الهروب من سجن الرملة»:

طلبتُ من سجينٍ يهوديٍّ أن يدقَّ الباب ويقول للحارس إنّ المساجين العرب أخذوا فراشه، بينما افتعلنا مع المساجين ضجيجاً يُوهم بالعراك. وفي لحظة استدعاء الحارس لزملائه وحسب خطتنا، دخل مكرم وحافظ إلى الحمام المقابل للباب الحديديّ، بينما كَمِنتُ أنا خلف الباب مباشرةً وتحت النافذة بحيث لا يستطيع الحارس رؤيتي عند فتحها. عندما سمعتُ فتح القفل وقفتُ دافعاً الباب بقوّةٍ فسقطت بحضن الشاويش، الذي كان لحسن الحظ كهلاً قصيراً. وظهر مكرم من ورائي وضرب الشاويش الأصلع على رأسه، بينما ضربتُ اثنين آخرين من العسكريّين. وانطلقتْ صفّارات الإنذار، وساد الذعر والفوضى بالمكان. وانطلق مكرم إلى الباب الخارجيّ للسجن وكان أمامه مسلّح حاول إطلاق النار من رشاشه، وكنتُ أجري خلف مكرم، فصرختُ بالحارس فابتعد، وانطلقتُ مسرعاً خلف مكرم... عندما صرنا على بعد مئة مترٍ من مبنى السجن، بدأ إطلاق نار كثيف وعشوائيّ، لكنّنا واصلنا الجري نحو البيارة الواقعة على بعد مئتي مترٍ من ذلك المبنى الكريه، وكان حافظ قد سبقنا إلى البيارة فناديناه وانطلقنا ثلاثتنا باتجاه غزة.

بعد ذلك انضمّ حمزة يونس وابن عمه للمناضلين في غزة ثمّ معارك عام 1967 ورفض الانسحاب مع القوات المصريّة، واستمرّ بالقتال حتى نفدت ذخيرته، وأسره الاحتلال بعد إصابته بالرصاص بقدميه، لكنه نجح بالهروب ثانيةً، من المستشفى الذي كان يُعالج فيه، ووصل عمّان ثم بيروت، واشتركَ بتشكيل الخلايا المسلّحة ضدّ الاحتلال شمال فلسطين. واعتقل للمرة الثالثة عام 1971 خلال مشاركته في خليةٍ حاولتْ التسلّل إلى فلسطين عبرَ البحر، وحُكِم عليه بالسجن المؤبد في الرملة، لكنه لم يستسلم وقرّر الهروب للمرة الثالثة، ونجح عبر نافذةِ غرفة المغسلة في سجن الرملة، حتّى وصل إلى لبنان مرة أخرى، وتابع العمل في المقاومة.

 

«الهروب الكبير» من سجن غزّة 1987

نِصْف منشار حديد داخل رغيف خبز «فينو» كانت الهدية غير العادية التي طلبها الأسير مصباح الصّوري من أحد أصدقائه (وكان حينها يُسمح بزيارة الأصدقاء) في سجن غزّة المركزيّ، لتبدأ التحضيرات لواحدةٍ من أشهر عمليات الهروب من سجون الاحتلال، وقعت في 17 أيار 1987.

وُلِد الشّهيد والأسير السّابق مصباح الصّوري في مخيم المغازي (غزّة 1954)، لعائلةٍ هُجِّرت من أسدود عشية النكبة. وانضم للمقاومين منذ شبابه، وأبرز عملياته الإشرافُ على اغتيال الضّابط الصّهيونيّ «رون طال»، قائد الشّرطة العسكريّة الصّهيونيّة في قطاع غزّة آنذاك.

وسبق أن حاول الهروب من سجن بئر السّبع أكثرَ من مرةٍ، قبل أن يُكتَشَف ويعاقَب حينها بالعزل الانفراديّ لشهرين. أُفرِجَ عن الصّوري لاحقاً بصفقة تبادل الأسرى عام 1985، ولكنه تابع النضال وأُعيد اعتقالُه، وحُكِمَ 30 عاماً في سجن غزّة، حيث عرض حينها على الأسيرين عبد السّلام أبو السرهد وعماد الدين عوض شحادة خطّته القاضية للهروب عبر قصّ قضبان نافذة الحمام. كان دورُ الاثنين المساعدةَ بقصّ القضبان، دون المشاركة بالهروب لكون فترة سجنهما شارفت على الانتهاء. واختار الصّوري شركاءه بالهروب من ذوي الأحكام الطويلة، الذين لا فرصَةَ لهم بالتحرر إلا بصفقات تبادل أو بالهروب. وهكذا كان أبطالُ العملية ستة أسرى، هم بالإضافة إلى الصوري: صالح اشتيوي، وسامي الشيخ خليل، ومحمد الجمل، وعماد الصفطاوي، وخالد صالح.

لم تكن عمليةُ قصّ القضبان سهلةً، ففي غرفته رقم (7) من قسم (ب) هناك 26 أسيراً، يشتركون جميعاً بحجرة حمام واحدة، ما يعني أنّ الحمام مشغولٌ على مدار السّاعة. كما كان هناك برجٌ عسكريٌّ يبعد عن النافذة حوالي 10 أمتار، وكان الجنديّ المسؤول عنه يراقب النوافذ دورياً، ويسلّط كشاف الضوء كلّ نصف ساعةٍ باتجاهها، فضلاً عن برجٍ عسكريٍّ ثانٍ يبعد عن الغرفة 30 متراً، وكان قسم المخابرات التابع للسجن في الطابق الأول، أسفل الغرفة بالضبط.

قام الأسرى الثلاثة بالعمل المتواصل لقصّ القضبان لمدة 3–7 أيامٍ حسب الروايات المختلفة. وبحسب ما يروي الأسير السّابق أبو السّرهد، كانوا يعملون في الحمام لفترةٍ قصيرةٍ بين 10–13 دقيقة في كلِّ مرةٍ، محاولين عدمَ لفت انتباه بقية الأسرى، حتى تمكنوا ليلة الأحد 17 أيار 1987، من قصّ قضبان النافذة بالكامل، وعندها فقط أخبر الصّوري زملاءه الخمسة الآخرين ذوي الأحكام العالية بنيّته الهروبَ ودعاهم لمشاركته. تلك الليلة، انشغل حرّاس السّجن بالاحتفال بأحد الأعياد اليهودية. وفي الساعة الواحدة والنصف من بعد منتصف الليل ساد الهدوء بالسجن، فسارع الأسرى إلى وضع الوسائد مكانهم على «الأبراش» (الأسرّة)، موهمين السّجّان أنهم نيامٌ.

وساعدت طبقةٌ من الضباب تلك الليلة في تمويه الأسرى السّتة الذين مرّوا عبر النافذة وصعدوا على سطح المطبخ قبل الانتقال إلى سجن المخابرات والشرطة العسكريّة، وصولاً إلى المنطقة الشرقية لمبنى السجن، وساعدتهم أشجار الكينا فاعتلوها للقفز إلى ما وراء الجدار والأسلاك الشائكة. أما إدارة السّجن فلم تعلم بهروب الأبطال الستة إلا بعد مرور 4 ساعات، وذلك في السادسة صباحاً أثناء التفقد الصّباحي للأسرى.

 

معلومات إضافية

المصدر:
موقع «باب الواد»
آخر تعديل على الإثنين, 13 أيلول/سبتمبر 2021 13:15