النووي الإيراني... وآفاق الإقليم غير الأمريكي
على أرضية التسارع الجاري في الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتداعيات عملية الانسحاب الأمريكي بالشكل المخزي الذي رأيناه في أفغانستان، تتجه الأنظار نحو تطورات الملف النووي الإيراني، والتغيرات المرتقبة في خريطة العلاقات بين القوى الإقليمية في المنطقة، وبشكلٍ خاص العلاقات السعودية الإيرانية.
بالتوازي مع الخطوات العملية التي اتخذتها الولايات المتحدة للانسحاب من منطقة شرق المتوسط وآسيا الوسطى، يبدو الجانب الأمريكي متطلعاً للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بشكلٍ سريع يتيح له الانتهاء من أحد أهم شواغله الأساسية المتبقية في المنطقة.
في المقابل، يُبدي الجانب الإيراني تريّثاً ملموساً إزاء الرغبة الأمريكية هذه. حيث ليس سراً أنه ثمة في طهران من يرى أنه من الضروري الحفاظ على سقف التفاوض الذي فرضته طهران عام 2015، أي التزام الجانب الإيراني بتعهداته النووية في مقابل الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وليس فقط العقوبات التي جرى فرضها في زمن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.
في هذا السياق، غدت التصريحات الرسمية الإيرانية أكثر وضوحاً في مقاربتها للاتفاق، حيث أكد الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، مساء السبت 4/9/2021، أن بلاده «تريد مواصلة المفاوضات سعياً لإحياء الاتفاق النووي، ولكن ليس تحت الضغوط والتهديد من جانب القوى الغربية»، مشدداً على أن «المحادثات يجب أن تنهي العقوبات»، ومعلناً أن حكومته ترفض «التفاوض من أجل التفاوض».
في موازاة ذلك، شهدنا خلال الأسبوع الماضي إشارات مهمّة على عودة العمل لاستئناف المحادثات المباشرة بين السعودية وإيران في العاصمة العراقية بغداد، حيث أكد المبعوث الإيراني إلى بغداد، إيراج مسجدي، أن جولة رابعة من المحادثات الثنائية مع المسؤولين السعوديين ستعقد قريباً. وتبع ذلك تصريحات لمساعد وزير الخارجية الإيراني، علي رضا عنايتي، الذي أكد أن السعودية جادة في محادثاتها مع إيران، وأنه لم تكن لدى الجانبين شروط مسبقة لبدء التفاوض، مرجحاً أن تكون السعودية خلصت إلى أن الظروف في المنطقة تغيّرت وتبنّت نهجاً جديداً إزاء المنطقة وحل قضاياها.
لا تحتاج المسألة إلى كثير من الجهد للبرهنة على أن استعادة العلاقات وتعزيزها بين القوتين الإقليميتين هو اتجاه موضوعي، بل وضرورة أساسية للدولتين في زمنٍ ترتفعُ فيه حاجتهما إلى إقليمٍ أقل توتراً وأكثر قابلية للحياة والانتعاش الاقتصادي، وعلى العكس من ذلك، فإن تأخير هذه الاستعادة ومحاولة عرقلتها سيكون مرتبطاً ببقايا التأثير الأمريكي والصهيوني في المنطقة، وهو التأثير الذي لعب دوراً حاسماً فيما مضى في تأجيج الصراع بين الرياض وطهران إلى حدودٍ بات معها تخيل العلاقات الإيجابية البنّاءة بين الجانبين أمراً ليس سهلاً على الكثيرين ممن عاشوا على هذا الصراع واستفادوا منه.