على هامش فلتان الأسعار !!
كان أحدُ أهمّ خطوط الصراع في سورية منذ 2011 وحتى الآن، الصراعُ بين أنصار الحلّ السياسي من جهة، وأنصار العسكرة في النظام والمعارضة، من جهة أخرى. وهذا الانقسام ربما كان الانقسام الوحيد المبَرَّر، الذي لم ترصُدْه الأقمار الصناعية، وكاميرات وكالات الأنباء، والتحليلات «الخرندعية»، لمثقَّفي الـ(قطعة بعشرة) ولم تأتِ وسائل الإعلام على ذِكره، ومواكبته إلّا ما ندر.
وكل مَن تابع تطوّر الوضع في الكارثة السورية عن قرب، دون أنْ ينساق وراء بروباغندا هذا الطرف أو ذاك، سيتذكر كيف تمّت ومنذ 2011 عملية وأدِ كلِّ محاولات إيقاف السير إلى الهاوية، من خلال: تغييب العقلاء في كلّ الأطراف السوريّة، سواء كانت تصفية جسدية، أو عمليات اعتقال أو خطف لم تتَّضح ملابساتُها حتى الآن، أو تهديداً مباشراً يدفع إلى الحذر والانزواء والتواري، أو تهميشاً و حصاراً مطبقاً، أو هجوماً متزامناً من الطرفين، أو صمتاً سلبياً ونأياً بالنفس لدى فئات واسعة من السوريين، جاء كردِّ فعلٍ على عدم الثقة بالمتنفِّذين في كل الأطراف، وخلال عامي 2012–2013 كانت هذه (المهمّة): مهمّة تهشيم وتهميش وإقصاء أنصار الحل السياسي منجزةً تماماً، بحيث لم يبقَ في الميدان إلّا الرؤوس الحامية، وبات الصوت الوحيد هو صوت السلاح، ولكن، لم يهدأ وطيسُ هذه المعركة يوماً خلال سنوات الأزمة السورية، وإنْ كانت العربدة بالسلاح والبروباغندا تغطّي على صوت أنصار الحل السياسي دائماً.
وكما كان الأمرُ منذ اليوم الأوّل، لا خيار الآن إلّا أنْ تتحوَّل تلك الطاقات الكامنة لدى عامة السوريين إلى فعل، وتتبلور قوى الحل السياسي في إطار سياسي عريض، وتخوض معركتها السياسية ضد العسكرة والعنف من مختلف الأطراف، ومن أجل حق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي. ومَنْ يُهمّه إخراجُ سورية والسوريين، من هذه الدوّامة – دوامة القتل، والجوع، وفقدان الماء والكهرباء، وفلتان الأسعار، والبنى التحتية المدمَّرة، والمستقبل الغامض، والتيه على أرصفة المغتربات – عليه أن يسعى من أجل الحل السياسي على أساس القرار 2254، وكلُّ ما عدا ذلك، وبغضِّ النظر عن النوايا هو دورانٌ ضمن دائرة الأزمة...
أما مَن يرى نفسَهُ صاحبَ دَم، ومسكوناً بهاجس الثأر، ربما يكون ذلك مِن حقِّه بالمعنى الأخلاقي والوجداني، ولكن من واجبه أيضاً وبالمعنى الإنساني والعقلاني، ومِن حَقّ ما تبقّى من السوريين عليه، أن يعملَ على إيقاف متوالية الموت؛ الموت حرباً، والموت جوعاً، والموت قهراً... كي لا تُنزف المزيد من الدماء، فلا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ولكن من الممكن منعُ تكرار واستمرار ما حدث ويحدث، بمعنى آخر يجب أن يكون هاجسُ المتضرِّرين الأوّل هو البحث عن حل.