اغتيال «أبو كفاح» إسفينٌ إضافي بنعش نظام أوسلو
فيديل قره باغي فيديل قره باغي

اغتيال «أبو كفاح» إسفينٌ إضافي بنعش نظام أوسلو

جاء استشهاد المناضل والمعارض الفلسطيني نزار بنات (أبو كفاح) في 24 حزيران الماضي غِيلةً بيد أجهزة أمن سلطة التنسيق الأمني مع العدو، في ظل مفصل انعطافي بتاريخ القضية الفلسطينية. ليضاف إلى سلسلة أحداث قبله وبعده، من لوحةٍ تتميز بتعفّن أنظمة العمالة والرجعية المغلقة الأفق وازدهار انتفاضات الشعوب ذات الأفق المفتوح نحو التغيير والانتصار والتحرير. ويبدو أنناأنن نشهد الأيام الأخيرة لنظام عربي لا يختلف كثيراً بالجوهر عن منظومة الفضاء السياسي القديم منتهي الصلاحية في المنطقة، مع اختلاف مهمّ في الخصوصية الفلسطينية التاريخية، تجعل تلاحم ثالوث الثورة الوطنية الديمقراطية الحديثة (الوطني – الاقتصادي الاجتماعي – الديمقراطي) في انتفاضة الشعب الفلسطيني، أكثر جلاءً وسطوعاً مما يصعّب على أعدائها أن يتلاعبوا بها ويحرفوها عن مسارها التقدّمي والتحرّري، وخاصةً بعد انتصار غزّة واندلاع الانتفاضة الجديدة، فهناك بشائر لإمكانية تغيير حقيقي للنظام وليس مجرد استبدال لوجوه السلطة، كما حدث في العالم العربي حتى الآن.

المتّهمون يشكّلون «لجنة التحقيق»

في 29 حزيران الماضي قال شقيق الشهيد عن لجنة التحقيق التي شكلتها السلطة بأنها «وُلدت ميتة» مشيراً إلى أنّها «فقدت ثلاثاً من مكوناتها: طبيب العائلة الذي أعلنّا عن سحبه بمؤتمر صحفي... بالإضافة للدكتور عمار دويك، ممثل الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الذي أعلن انسحابه. بالإضافة إلى نقابة المحامين التي أعلنت انسحابها من هذه اللجنة. وبالتالي لم يبقَ إلا الشلالدة [وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة] والأمن. ولكن الأمن أصلاً متّهم، وهو من قام بهذه الجريمة».

كما كشف شقيق الشهيد كذب ادّعاء السلطة ولجنة التحقيق بأنّ «اللجنة التقت بعائلة بنات» وقال في تصريح لشبكة «قدس» الإخبارية: «هذا غير صحيح، ونحن أعلنّا مقاطعتنا لهذه اللجنة، وأتحدّاهم أن يثبتوا بأنهم التقوا بأي فرد من أفراد عائلة بنات، ولو لمدّة ثانية!». ورغم تصريح الناطق باسم الأجهزة الأمنية طلال دويكات بـ«إحالة 14 من عناصر الدورية الأمنية للقضاء العسكري في قضية المرحوم نزار بنات، والتحقيقات مستمرة» لكن كثيراً من القوى الشعبية والسياسية الفلسطينية أعربت عن فجوة ثقة واسعة وعميقة بالسلطة وأجهزتها، وشكوك كبيرة بجدّية التحقيق.

 

محاولات السلطة شراء صمت العائلة

كشف عمار بنات المتحدث باسم عائلة الشهيد، أنّ عروضاً مادية كبيرة طرحت على العائلة لإغلاق الملف نهائياً. وأضاف بتصريح لوكالة «قدس»: «الوفود التي زارت العائلة كثيرة وهناك ضغوط كبيرة، ومع احترامنا للجميع فإن العائلة تريد ضمانات محلية من السلطة ودولية بعدم تكرار ذلك، ولا نريد أن تكون هناك حادثة اغتيال أخرى». وأردف قائلاً: «معظم الوفود التي تأتي للعائلة تطرح حلولاً مادية مثل إعطاء زوجته راتب شهيد واعتباره شهيد الوطن، أو طرح الديّة المحمدية أو العَطوة العشائرية»، مستكملاً: «هناك عروضات كبيرة إلى درجة أنهم قالوا لنا هذا شيك على بياض ضعوا الرقم الذي تريدون وأنهوا هذا الملف».

وعن رأي العائلة من التجييش الإعلامي الحاصل، علق قائلاً: «واضح جداً التجييش الذي تقوم به حركة فتح وهو مرفوض جملةً وتفصيلاً، ونحترم حركة فتح كما باقي الفصائل الفلسطينية، ونحن على مسافة واحدة من جميع الفصائل»، مستطرداً: «لا يصح أن تستخدم قضية نزار لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم الآخرين» وشدد بنات على أن الذي «يحدث حالياً منافٍ لحركة فتح وواقعها وهو يسيء لنفسها وتاريخها».

وتبدو عائلة الشهيد متمسكة بمتابعة القضية، حتى أنها اتهمت في الثاني من الشهر الجاري عبر صفحة «نزار بنات» ضابَطين بالضلوع بالاغتيال، وأوضحت: «نكشف أسماء اثنين رئيسيّين شاركوا في الجريمة بشكل مباشر وهما عزيز الطميزي برتبة عقيد لدى جهاز الأمن الوقائي شارك في القتل وقام بتهديد الشهود على العملية وأخبرهم بأنه «راجعلكم» كدلالة واضحة أن الاغتيال لن يتوقف على نزار فقط وإنما على الشهود أيضاً». وتابع بيان العائلة: «الاسم الثاني وهو شادي القواسمة الذي شارك في عملية الاغتيال بشكل مباشر في الضرب بهراوة وكان سائق السيارة التي نقلت الشهيد نزار».

 

انقسامات داخل «فتح»

في مطلع الشهر الحالي، قال عضو المجلس الثوري لحركة فتح فخري البرغوثي، إنّ الواقع الفلسطيني في مرحلته الحالية صعب للغاية، خاصة بعد أحداث اغتيال الناشط السياسي نزار بنات وصفقة تبادل اللقاحات بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل».

وأضاف بأنّ الشارع الفلسطيني لا يثق على الإطلاق بالسلطة الفلسطينية، وخاصة بالمتمثلين فيها، ولم يعد أي أحد قادر على استيعاب ما يحدث. وحول قمع المظاهرات مؤخراً في رام الله أوضح بأنّ «القانون ينص على حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، لأن الإنسان دون أن يبقى حراً وطليق اللسان واليد لن يكون قادراً على أن يخدم وطنه، وإذا فقد الإنسان حريته ومكانته ووجوده لن يعود هناك وطن».

وحول مبادرة الأسرى بشأن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في اغتيال بنات، قال فخري البرغوثي: «نحن نتواصل مع عائلة نزار بنات، وعلى الرغم من اللقاء الذي جمعنا برئيس الوزراء محمد اشتية، إلا أن الحكومة الفلسطينية لم يكن لديها موقف واضح من المبادرة، ولم يكن هناك أي تغيير منذ طرحنا المبادرة بالخصوص».

وأكد البرغوثي، أن هناك إقصاءً وتفرّداً داخل حركة فتح «التي أصبحت منصهرة داخل السلطة وتشهد حالة من النزاع على المواقع وكذلك أصبحت ممزقة».

وفي الثاني من تموز الجاري استنكرت «حركة أبناء البلد» في الداخل المحتل، التهديدات التي تعرض لها عضو مكتبها السياسي رجا اغبارية من قبل مجموعة تابعة لفتح، تطلق على نفسها «رابطة محاربي الثورة القدامى»، والتي أصدرت بياناً هدّدت فيه اغباريه بالقول «هذا العميل إذا دخل مرة أخرى نابلس سينال العقاب الذي يستحق، ونحن بالمرصاد لكل من يتطاول على حركتنا فتح الأبية ودمتم لشعبكم». فردّت حركة أبناء البلد ببيان أوضحت فيه أنّ تهديد اغباريه يأتي «على إثر انتقاده لسلطة عباس واغتيالها للشهيد نزار بنات، في كلمة ألقاها خلال تأبين الشهيد نادر العفوري»، وتابعت الحركة «هذا البيان الخطير كما بيانات «فــتح» التي تهدد عبرها خصومها السياسيين، من حيث المضمون وطريقة النشر، حيث تعمد «فــتح» إلى عدم إصدار بيان فيه أختام وتواقيع رسمية، لمنحها فرصة التنصل منه في حال تعرضها للمساءلة والمحاسبة تماماً كما البيان الذي أصدره محافظ الخليل، وأعلن عبره استشهاد المناضل نزار بنات دون أن يتضمن أي ختم وتوقيع رسمي».

ولم ينجُ حتى بعض الموظفين الكبار في مؤسسات السلطة الفلسطينية من القمع بسبب تعبيرهم عن الاستنكار والإدانة لجريمة الاغتيال، فقام الرئيس عباس أول الشهر الجاري بإقالة وزير الثقافة السابق ورئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية إيهاب بسيسو من منصبه، على خلفية منشور له على فيسبوك يدين فيه اغتيال الناشط نزار بنات. علماً بأنّ المكتبة الوطنية مؤسسة غير وزارية تتبع مباشرة للرئاسة الفلسطينية.

كذلك ظهرت مواقف احتجاج من قوى سياسية وفصائلية، ولم تقتصر على حركة حماس، ففي 28 حزيران أعلن حزب الشعب الفلسطيني انسحابه من الحكومة الفلسطينية، التي كان ممثلاً فيها عبر وزير العمل نصري أبو جيش، وصرّح بسام الصالحي، الأمين العام للحزب بأنّ «حزب الشعب لم يعد جزءاً من حكومة اشتية، واستقالة وزير العمل نافذة منذ اليوم ونجدد الدعوة للحكومة بالاستقالة». وفي 2 تموز صرح عضو تنفيذية منظمة التحرير، والقيادي بالجبهة الديمقراطية، تيسير خالد «عندما تصبح الأجهزة الأمنية عبئاً على الحريات العامة وحقوق الإنسان يجب حلّها، وعندما تصبح الحكومة عبئاً على الشعب عليها أن ترحل».

 

الغرب يحاول امتصاص الغضب خوفاً من التغيير

في 1 تموز الجاري قال ممثل الاتحاد الأوروبي، سفين بورغسدورف: «نعرب عن تعازينا لعائلة نزار بنات ولأطفاله وزوجته إزاء الجريمة النكراء، ونؤكّد على دعوتنا لتحقيق مستقل وشفّاف يقدِّم الجناةَ إلى العدالة».

ولكن لا يمكن أن نصدّق بأنّ الاتحاد الأوروبي أو واشنطن صارت تحبّ «الديمقراطية» و«الحرية» و«حقوق الإنسان» للشعب الفلسطيني، حتى لو كانت القائمة الانتخابية التي كان الشهيد ينتمي إليها قد سبق أن توجّهت بالفعل إلى «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان»، من أجل المطالبة بـ«وقف الدعم المالي للسلطة، وبفتح ملف التحقيق في الأموال المهدورة لدافعي الضرائب الأوروبيين من خلال ملفات الفساد المرفقة».

 إذْ إنّ ما يبدو أنّه الدافع وراء الموقف الغربي تجاه الحادثة، هو مجرّد محاولة استثمارها كورقة ضغط على السلطة الفلسطينية لواحد أو أكثر من الأسباب التالية: إما أنّ الغرب وواشنطن من أصدقاء «إسرائيل» يدركون صعوبة استمرار السلطة الحالية، ويفكرون باستبدالها على شكل «تغيير وجوه» مع الإبقاء على جوهر نظام أوسلو، أو دفع هذه السلطة لتقديم مزيد من التنازلات للاحتلال مع إيهامها بقدرتهم على الاستمرار بتأمين غطاء لها، أو حثّها على التقليل من ممارسة غبائها المفضوح بالاغتيالات والقمع، ودفعها لمحاولة امتصاص غضب الشارع، وإلا ستؤدي بنفسها إلى هلاكها وتسريع الإطاحة بها وإعادة توحيد الشعب الفلسطيني وإعادة بناء منظمة تحرير فلسطينية فاعلة، وهو ما تخشى منه القوى الإمبريالية والصهيونية ومطبّعوها وعملاؤها.