العراق وتشغيل صاعق التفجير بلا كهرباء

العراق وتشغيل صاعق التفجير بلا كهرباء

يتوازى مع كل تسارعٍ وإشارة بالضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بالخروج من العراق، أن تتعمق الأزمات وتعتمل بشكل متعمدٍ ومدروس لتفجير البلاد لحظةَ الانسحاب منها، ولن تكون أزمة الكهرباء الجارية آخر الخطوات في هذا الاتجاه.

بعد أشهرٍ طويلة من القصف والاستهداف الصاروخي للقواعد العسكرية التابعة لقوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة في وتفخيخ خطوط إمدادها وعربات نقلها، تمخَّض جبلُ الوعيد والتهديدات الأمريكية المتراكمة بهجمةٍ على الحدود العراقية-السورية استهدفت منشآت لتخزين السلاح تابعة للمقاومة والحشد الشعبي، وفقاً للتصريحات الأمريكية، وأعلن البنتاغون عبر بيانٍ له في اليوم نفسه أنَّ هذا الهجوم «يأتي ردّاً على هجمات بطائرات مسيَّرة شنّتها تلك الفصائل على أفراد ومنشآت أمريكية في العراق».

وتتوازى هذه الهجمات مع ثلاث نقاط عامة:

  • الأولى، حملة هجمات متكررة ومتتالية تستهدف محطات توليد الطاقة الكهربائية وأبراج نقلها في العراق، مع توجيه أصابع الاتهام بالقيام بها إلى «داعش».
  • والثانية، موجة الحراك العراقي التي تعاود نشاطها تدريجياً، ويجري استهداف واغتيال النشطاء فيها.
  • والثالثة، الفترة الفاصلة شديدة الحساسية بين جولتين في فيينا حول خطة العمل الشاملة المشتركة «الاتفاق النووي الإيراني» والإشارات العامة باقتراب إعلان إعادة إحيائه.

في النقطة الأولى، لا بد من التذكير بأن موجة النشاط الإرهابي الأخيرة والمستمرة حتى الآن لتنظيم داعش في العراق، بدأت منذ شهرين وتحديداً بعد تهديدٍ بذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إثر الضغط الداخلي على خروج قواتها لشراء المزيد من الوقت (أمريكا تحذّر من عودة «داعش» إذا انسحبت من العراق وللمفاجأة: ينشط في اليوم التالي!)، وأشارت قاسيون في مقالٍ ثانٍ على سعي واشنطن لتوتير العراق وصولاً إلى تفجيره بالتزامن مع لحظات تواجدها الأخيرة ومصلحتها بذلك (العراق وتوتير ما قبل الانسحاب الأمريكي)، لتأتي الهجمات الأخيرة – سواء أكانت من قبل داعش أو غيره – في البلاد التي تعاني أساساً من أزمة طاقة عموماً، وأزمة سداد ديون مستحقة على استيراد الطاقة من إيران وشيطنة الأخيرة إعلامياً بهذا الشأن، من قبل واشنطن وعملائها وسعي الحكومة العراقية لإيجاد بدائل عن طهران من خلال الخليج والأردن ومصر، استمراراً واستكمالاً لهذا الاتجاه وتسعيره مع اقتراب انسحاب الأمريكي من المنطقة (قبل أسبوعين أعلن الناتو انسحابه من أفغانستان).

في النقطة الثانية، يحاول عبثاً المتشددون العراقيّون بالتركيب مع المصلحة الأمريكية حرف مسار الانتفاضة العراقية وقسمها عمودياً عبر التعبئة والتحريض لدفعه نحو الصراعات البينية القومية والطائفية، التجربة التي تعلَّم منها العراقيّون الكثير على مرّ عقود، سواء عبر اغتيال نشطائها من قبل مجهولين وإطلاق سعار وسائل الإعلام بالتحريض المتبادل، أو بقتل المتظاهرين في الساحات من قبل مجهولين أيضاً وبالمثل يبدأ التحريض الإعلامي، وليس آخراً العمليات الانتحارية والتفجيرات بالعبوات أو السيارات المفخَّخة في مناطق متنوعة كان آخرُها في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد يوم الأربعاء 30 حزيران، لتتلاقى هذه المساعي مع النقطة الأولى المسبّبة لمزيد من الاحتقان الشعبي والتوتر في الداخل، مما ينذر بنشوب موجة شعبية عامة جديدة، مرافقة لاحتمالات تحولها إلى صراعات بينية ذات طابع مسلَّح، خاصة مع التوترات السياسية الأخيرة التي نشأت بين الحشد الشعبي والحكومة العراقية.

أما الثالثة، فتتعلق فيما يبدو بمحاولة أمريكية لاستدراج طهران إلى ردّ فعلٍ عسكري أو سياسي، خاصة وأن الأمريكيين بتصريحاتهم وبياناتهم يربطون بشكل مباشر بين الحشد والمقاومة وبين طهران، بغية عرقلة الاتفاق النووي وتسويف إضافي لإعلان إعادة إحيائه؛ فالانسحاب من أفغانستان، وتعرّض القواعد الأمريكية على مرّ شهور لهجماتٍ شبه يومية في العراق، والإشارات بخروجهم منه، وأخيراً عودتهم إلى الاتفاق النووي بعد رفع عقوبات ترامب عن طهران، كل ذلك يمثل ضربات موجعة وقاصمة في الداخل الأمريكي، ليس إلى إدارة بايدن وحدها، إنما إلى النظام الأمريكي عموماً والمنقسم على نفسه أساساً، وليبدو أنّ جلّ ما تحاول إدارة بايدن التحكم به عموماً هو إبعاد المسافات الزمنية بين كل خطوة تراجع وأخرى لامتصاص أصوات المعارضة السياسية عليها داخلياً، بل وحتى خارجياً.

على أية حال، لم تؤثِّر الضربات الأمريكية الأخيرة على مسار المقاومة بشيء، بل واستمر الاستهداف للقواعد العسكرية الأمريكية وكان من أواخرها يوم الإثنين 5 تموز بهجوم صاروخي على قاعدة عين الأسد غربي العراق، ولم تؤثّر على مساعي الضغط باتجاه مغادرتها، بل على العكس، حيث فُرض على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أنْ يعلن عن وصول بلاده لمراحل متقدمة بالحوار مع واشنطن بشأن انسحابها، ثمّ في وقتٍ لاحق قال خلال اجتماعه مع الممثِّلين الدائمين لدول حلف الشمال الأطلسي «الناتو» في بروكسل يوم الخميس الماضي بضرورة « إيجاد آليات زمنية وفنية لسحب القوات القتالية للتحالف الدولي».

ما يعوّل عليه العراقيون في هذه الفترات شديدة الصعوبة هو أنفسهم أولاً، والاستفادة من تجارب ودروس الماضي بصراعهم مع كل هذه القوى داخلياً وخارجياً التي تتاجر بمعاناتهم ودمائهم، بعدم الانجرار خلف التحريضات الفاعلة حالياً، والنهوض ليس بشكل انتفاضة تشرين 2019 نفسها، وإنما بتطوير عليها عبر إطلاق مبادرات سياسية جذرية ومنظَّمة ووطنية عامة والمضي نحو فرضها وتطبيقها.