صدع الكربون في التربة «1: توصيف الصدع»
عندما نتعامل مع التربة، نركّز على النقص فيها: نتروجين وفوسفور وبوتاسيوم. وقد تعلّمنا إضافة المغذيات الناقصة، وأيّ الأسمدة يجب استعمالها، ومتى يكون الوقت المناسب لإضافتها. قد يتمّ بين الحين والآخر ذكر الأشياء العضوية، مثل أنّ زراعة البقوليات تزوّد المحاصيل التي ستزرع بعدها بالنتروجين، لكنّ التركيز المفرط كان على المسمدات التجارية. لكنّ إضافة المغذيات للتربة ليس إلّا أحد سمات التربة الصحيّة.
دورات الطبيعة
هناك عدد من التدفقات والدورات الهامّة التي تحصل على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. تحدث التدفقات عندما تنتقل المواد من مكان إلى آخر. والدورة هي تدفق تعود فيه المادة إلى الموقع العام الذي أتت منه. على المستوى المحلي، تحدث الدورة عندما يزيل نبات ما العناصر المغذية من التربة بشكل سنوي، ثمّ يعود هذا النبات إلى التربة عندما يموت. وحتّى لو تمّ تناول النبات جزئياً من قبل حشرة أو حيوان عاشب، فمعظم العناصر الغذائية ستعود إلى التربة ضمن مساحة قريبة.
على النقيض من ذلك، تحدث الدورة الهيدروليكية على مستوى إقليمي أو عالمي، حيث تتبخر المياه من أوراق النباتات أو من البحيرات والمحيطات، وتنتقل في الغلاف الجوي لمسافة ما، ثمّ تهطل على الأرض على شكل أمطار أو ثلوج.
المواد العضوية في التربة هي خزّان كبير للكربون، وتشارك في الدورة العالمية للكربون. يتم ترسيب جزء من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي في التربة على شكل جذور وبقايا فوق سطح الأرض تدمجها الديدان وكائنات أكبر حجماً في التربة من جديد. يعاد إطلاق هذا الكربون في الغلاف الجوي بعد أن يُستخدم كغذاء من قبل كائنات التربة، مثل البكتيريا والفطريات. في التربة الصحية هناك معدل دوران كبير للكربون كجزء من البقايا المضافة التي توفر الغذاء للكائنات الأرضية المتنوعة.
مع استمرار النشاط الحيوي وعمليات التركيب الضوئي التي تنقل الغذاء إلى جذور النبات التي توفّر – إضافة لانتشار جذور جديدة – كميّة كبيرة من الغذاء الذي تحلله كائنات التربة، تتنفس التربة كما لو كانت كائناً حياً واحداً، مع أخذ الأوكسجين وإعادة إطلاق ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى في الغلاف الجوي لإكمال الدورة. ثمّ يعود جزء من الكربون المُزال من الغلاف الجوي إلى التربة ليبقى مخزناً هناك لفترات تعتمد على عدد من العوامل، مثل نوع المعادن، والمناخ، ونوع الغطاء النباتي.
الصدع المدمّر
ظهرت صدوع واضطرابات كبيرة في العديد من التدفقات والدورات المهمة في التربة على مدى مئات السنين القليلة الماضية، وتسارعت بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية. حدثت الاضطرابات في التدفقات والدورات، الأمر الذي له تأثيرات كثيرة على البشر والكائنات الحيّة الأخرى التي نمت واستقرّت في ظلّ ظروف متغيرة ببطء.
بدأت ملاحظة هذا التصدّع في القرن التاسع عشر مع تزايد نقل الغذاء من الريف إلى المدينة. فمع حدوث هذا، لم تعد المحاصيل والحيوانات التي تخرج من الحقول والأرض تعود إليها. وفضلات البشر المغذية كانت ترمى في الأنهار كي لا تتراكم في المدن. أي باختصار: الدورة التي كانت تعيد الجزء الأكبر من المغذيات إلى التربة تمّت مقاطعتها، وتحوّلت إلى ملوثات للهواء في الوقت ذاته.
تطرّق ماركس في كتابه رأس المال لذلك بالقول: «الإنتاج الرأسمالي، من خلال جمع السكان في المراكز الكبرى، والتسبب في تزايد أعداد سكان المدن أكثر من أيّ وقت مضى... يقاطع دورة المادة بين الإنسان والتربة. فهو يمنع إعادة العناصر المستهلكة من قبل البشر على شكل غذاء وملابس، إلى التربة. وهو بذلك يخرق الشروط الضرورية لتغذية مستدامة للتربة».
لا تزال هذه المشكلة مستمرة، وقد فاقمتها مزارع الحيوانات الصناعية التي تجمع وفرة من المسمدات إلى جانب الحيوانات المعزولة عن التربة، بينما التربة بأمسّ حاجة لهذه المغذيات، الأمر الذي يستدعي إضافة المغذيات/المسمدات الصناعية للتربة.
حرث التربة وتكسيرها
إنّ عمليات الحدل والحرث والتمشيط وغيرها، تفكك بنية التربة وتكسّر جزيئات المواد العضوية التي كانت عصيّة على الكائنات الدقيقة، ولكنّها أيضاً تتسبب بزيادة هائلة بتحلل المواد العضوية، فيتحول إلى ثاني أكسيد الكربون وينتشر في الغلاف الجوي. يحوّل هذا التربة من مستودعات لتخزين الكربون إلى مصادر كربونية.
تحويل الغابات أو الأراضي العشبية إلى أراضٍ زراعية يؤدي لفقد الكثير من المواد العضوية. إنّ الاستخدام المكثف للغابات لتحويلها إلى أراضٍ زراعية، وبمساعدة الجرارات والآليات الكبيرة، قد أسهم بإطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الأمر الذي ساهم في حدوث الاحتباس الحراري وزعزعة استقرار المناخ. قدّر العالم راتّان بأنّ 110 إلى 130 مليار طن من الكربون قد تمّ تحريره من الترب الزراعية، وهذه كميّة كبيرة إذا ما تمّت مقارنتها بـ 10 مليارات طن هي المساهمة السنوية من الوقود الأحفوري. هذا ولم نتحدث بعد عن إطلاق الميثان من الأراضي الزراعية، وهو غاز دفيئة آخر.
المشكلة الأخرى تنجم عن استنفاد المادة العضوية للتربة، لتصبح التربة على إثره غير صحيّة. تفقد التربة نصف مادتها العضوية «الكربون» بعد سنوات من زراعتها، وهو ما يشكّل صدع كربون التربة. يعني هذا أنّ التربة لديها مياه أقل، وأنّها تمنح مغذيات أقل للنباتات، وتحوي على تنوّع بيولوجي أقل. يطلق الصدع عملية تدمير مستمرة للتربة والنباتات والمياه، وكلّ ما ينجم عن ذلك من كوارث.
وفي الوقت الذي يدفع النظام الرأسمالي نحو استخدام المسمدات الصناعية لتعزيز وتحسين التربة، وخاصة الفوسفور والنتروجين والبوتاسيوم، يتم إهمال مشاكل التربة الأخرى وكأنّها غير موجودة.
رغم محاولة إخفاء الحقائق للتستّر على رفض تغيير عمليات الزراعة الرأسمالية، فتدهور التربة ومعرفة أسبابها قديم. في 1908، تمّ إيكال مهمّة رسميّة لفريق من العلماء لاكتشاف سبب تدهور تربة ولاية فيرمونت الأمريكية. وكانت نتائج دراستهم: «من المحتمل أن يكون استنفاد مخزون التربة من الدبال (المادة العضوية) سبباً أساسياً لانخفاض غلّة المحاصيل. نظام المحصول الأحادي وعدم وجود سماد أخضر وعدم استخدام البقوليات أو الأعشاب بشكل متناوب، وإزالة الغابات والحرائق والاستخدام المستمر للأسمدة التجارية، كلّ هذه العوامل أدّت لخفض محتوى الدبال بشكل غير ملائم».
بتصرّف عن: Repairing the Soil Carbon Rift
معلومات إضافية
- ترجمة:
- قاسيون