زيارة لافروف إلى الصين... ملاحظات وتساؤلات!
أنهى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة إلى جمهورية الصين الشعبية استمرت يومين من 22 إلى 23 آذار الماضي، بحث خلالها مع نظيره الصيني وانغ يي جملة من قضايا السياسية الدولية، والعلاقات بين البلدين والتي كان أبرزها تجديد معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين البلدين، والتحضيرات للذكرى العشرين للتوقيع على هذه المعاهدة.
تتشابه في كثير من الأحيان تلك التصريحات التي يطلقها الدبلوماسيون، لكن هذا التشابه لا يعني حالة سكون كما تبدو للوهلة الأولى، بل تحمل دائماً تأكيداً على مواقف قديمة – وهو موقفٌ بحدّ ذاته – وتحمل إضافة إلى ذلك إعلانات جديدة، وتعطي دائماً إشارةٍ نحو المستقبل.
فيما يلي ملاحظات وتساؤلات حول الزيارة الأخيرة وما تحمله من إعلانات ورسائل سياسية:
- تأتي الزيارة تحت عنوانٍ عريض وهو تجديد معاهدة الصداقة التي جرى التوقيع عليها في شهر تموز من العام 2001، والتي تلاها في حينه بيانٌ رئاسي مشترك، ليبدأ تطبيق المعاهدة في العام التالي أي 2002. وإذا أردنا أن نشير إلى جوهر هذه المعاهدة فنقول أنها أعلنت أولاً عن التئام الجرح الذي تركته الولايات المتحدة في جسد العلاقات الصينية-الروسية (السوفيتية في حينه)، والنقطة الجوهرية الثانية في هذه المعاهدة هي الإعلان عن العمل المشترك للبلدين في سبيل ترسيخ عالمٍ متعدد الأقطاب، أي الإعلان عن نية في كسر الهيمنة الأمريكية-الغربية الأحادية.
- أكد البيان المشترك الذي عقب زيارة لافروف على جملة من القضايا كان أولها الموقف الثابت لروسيا والصين ضد استثمار ملف حقوق الإنسان لتنفيذ الأجندات السياسية، ويؤكد أيضاً على أهمية الديموقراطية وضرورة الحفاظ عليها ويرى فيها منجزاً بشرياً لا يجب التفريط فيه، ونبه البيان إلى خطورة فرض نموذجٍ واحدٍ لها، وضرورة احترام حق البلدان بإيجاد الصيغ التي تلائمها. ويضم البيان بين بنوده تأكيداً على ضرورة احترام القانون الدولي والابتعاد عن السياسية أحادية الجانب، ليختتم في بنده الأخير حول ضرورة تعزيز التعاون متعدد الأطراف.
- أشار وزير الخارجية الروسي في عدة تصريحات حول ضرورة إيجاد صيغة دولية جديدة لرفض العقوبات الأمريكية والتصدي لها، والتي باتت الولايات المتحدة والدول الغربية تستخدمها لضرب المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية التجارية منها والسياسية، ويؤكد لافروف في حديثه على أن واشنطن والدول الغربية لم تقبل النموذج الصيني، والذي استطاع التقدم باستخدام قواعد اللعبة نفسها، لتجد الصين نفسها بمواجه معايير مزدوجة تهدف لإعاقة تقدمها في منافسة غير شريفة.
- لا تعتبر معاهدة الصداقة وحسن الجوار مجرّد وثيقة تاريخية ولو كانت كذلك فعلاً لكان مكانها المتحف! الوثيقة والبيان الرئاسي الذي رافقها شكّلت مظلةً للتعاون الروسي-الصيني وشكّلت إطاراً قانونياً لتحالفٍ استراتيجي غيّر وجه العالم في السنوات العشرين التي تلت هذا التوقيع، لكن ونظراً لان هذه المعاهدة شديدة الراهنية كان لابد من تطويرها، وخصوصا لأنها وصلت - على ما يبدو - إلى بابٍ مغلق ينبغي فتحه. فالعلاقات الصينية-الروسية ومجالات التعاون بينهما كما يؤكد الجانبان لا حدود لها، لكن مشروع بناء وترسيخ عالمٍ متعدد الأقطاب اصطدم بشكلً متكرر بمحاولات إعاقة أمريكية وغربية، وهو ما أشار إليه لافروف أثناء هذه الزيارة، لذلك قد يطرأ تعديل ما على هذه المعاهدة، أو تترك مهمة صياغة المهمة الجديدة أمام البلدان على عاتق البيان الرئاسي الذي يجري التحضير له.
- لا يمكننا الجزم بما أنجزته هذه الزيارة لكننا سمعنا تأكيدا أن اتصالات رفيعة المستوى يجري التحضير لها ضمن مراسم التوقيع على تجديد المعاهدة وإن هناك بيان رئاسي مشترك يجري تحضيره وإذا ما أردنا الاجتهاد فنقول إن العقبات التي تقف بوجه المشروع الصيني-الروسي باتت واضحة، وعلى رأسها ضرورة استبدال الدولار في العلاقات التجارية وإيجاد انظمة دفع الكترونية بديلة لكسر المنظومة الغربية المستخدمة حالياً والتي تعتبر الأداة الضاربة في فرض العقوبات، أي أن الطريق الروسي الصيني لابد أن يمر عبر هذا الطريق في نهاية المطاف.
يكرر وزير الخارجية الروسي فكرة تقول أن العلاقات الروسية-الصينية تمضي مع مجرى التاريخ، ولذلك يرى أن الرهان الأمريكي على إعاقة هذا المشروع ومحاولة كسر هذه العلاقة، هو في الواقع رهان يعاكس حركة التاريخ وبالتالي هو محكومٌ بالفشل. الإعلان الروسي-الصيني المشترك عن مواقفهما شبه متطابقة حول جملة من الملفات الدولية الخارجية يعني إعلاناً عن فشل المساعي الغربية في شرخ هذه العلاقة، والإعلان عن أن معاهدة حسن الجوار قد وصلت إلى حدودها القصوى لا يعني أنها منتهية الصلاحية بل يعني أن آفاقها في الواقع باتت أكثر اتساعاً