النخب الإيطالية المأزومة تستعين بـ«سوبرماريو»
فرانكو توريغليانو فرانكو توريغليانو

النخب الإيطالية المأزومة تستعين بـ«سوبرماريو»

في النهاية، اختار أعلى ممثل مؤسسي للبرجوازية الإيطالية: رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا، أن يعهد بمصير البلاد إلى الرجل الذي يعتبر أفضل مدير للرأسمالية الإيطالية: ماريو دراغي أو «سوبرماريو». سجلّه في مجال التمويل الدولي في بنك إيطاليا المركزي والبنك الأوروبي أثناء أزمة اليورو تنطق بما يكفي عنه.

بقلم: فرانكو توريغليانو
ترجمة وإعداد: قاسيون

اختيار دراغي الذي بُرِّرَ بالوباء وآثاره الاجتماعية، له آثار كبيرة على المستوى السياسي والمؤسساتي. جميع السيناريوهات المحتملة مقلقة ومهددة للديمقراطية. جميع دوائر الطبقة الحاكمة الإيطالية دعت دراغي بشكل من القدسية لتسلّم المكتب، لكنّ هيمنتها على البرلمان ضعيفة ومتشظية وغير محضرة في هذه المرحلة الحساسة للغاية لتولي الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية في الوقت ذاته التي تحافظ فيه على مصالحها.

في الواقع، الخصائص السلبية لمختلف التيارات التي تمثل الزعماء – «لم يعد هناك وجود لأي قوة تمثّل مصالح الطبقة العاملة في البرلمان» – هي تعبير شبه مباشر عن الخيارات السياسية المؤسساتية والنماذج الانتخابية التي فرضتها في العقود الأخيرة الطبقة الحاكمة ذاتها. تظهر الديمقراطية البرجوازية مهترئة بشكل متزايد، وتبرز النزعات الاستبدادية بقوّة، وفي مواجهة الأزمة الحالية يظنون بأنّ الخيار الأفضل هو اللجوء لشخص يلعب دوراً «بونابارتياً».

ليس هناك شكّ بأنّ حكومة دراغي ستعقّد خطط وآفاق مختلف الأحزاب السياسية، بدءاً «بالحزب الديمقراطي» من يسار الوسط والذي كان يأمل ببناء تحالف مستقر مع جزء من حركة النجوم الخمس الشعبوية الوسطية. كما أنّه قد يؤدّي بالفعل إلى تقويض حركة النجوم الخمسة (التي حاز على تأييد 59% من أعضائها عبر التصويت الإلكتروني). قاطع بالفعل مخططات اليمين للدعوة لانتخابات عامة مبكرة، والذين بدأت تهدأ أصواتهم بعد إبداء رغبتهم بدعم دراغي.

لم تنتج الأزمة الحكومية عن الانقسام بين الأحزاب فقط، بل سببتها مشكلات السياسات الاقتصادية للنخب. ولهذا فليس من المستغرب لجوؤهم إلى شخص قدّم نفسه على الدوام كأفضل ممثّل لمصالح الزعماء الإيطاليين.

علينا ألّا ننسى بأنّ دراغي هو مبتكر التفريق بين الديون الجيدة والديون السيئة: فالجيدة هي التي تصبّ بصالح الاستثمار أو بصالح استقرار التمويل حيث مصلحة المصارف والملّاك. أمّا السيئة فهي التي تشمل النفقات غير المنتجة، ويقصد بها الإنفاق الاجتماعي الموجه للطبقات المحرومة، أو دعم الأجور أو تعويضات البطالة.

أجبرت الأزمة الصحيّة الطبقة البرجوازية على اللجوء لبعض الخيارات التي تتناقض بشكل كلي مع مبادئهم الإيديولوجيّة والاقتصادية، لكنّها خيارات مخصصة لإنقاذ مركبهم من الغرق. لقد تقبلوا بأنّ عدد ساعات العمل سيقل، لكن على ألّا يتكرر الأمر ولا يصل لحدّ تعويضات البطالة. قبلوا بأنّ الدين العام سيرتفع بشكل مناقض لجميع محرماتهم النيوليبرالية، لكن مع بذل جميع الجهود الممكنة لاستعادة النظام السابق بما يضمن سيادتهم.

بكلمات أبسط: يريدون آليات للبدء بسداد الديون، في الوقت ذاته الذي يسمحون فيه للشركات بإعادة هيكلة نفسها وتسريح عمّالها بما يضمن عودة الأرباح.

الديون التي يجب وصفها بالجيدة ليس هي التي تحافظ على الأرباح، بل القادرة على أن تكون جزءاً من مشروع نمو اقتصادي يأخذ باعتباره استدامة البيئة والاستثمار العام وتحويل الاقتصاد وضمان الأجور للجميع وإعادة إحياء التعليم وتطبيق برامج صحيّة عامة على نطاق واسع.

ومن أجل تحقيق هذا يجب اعتبار حكومة دراغي عدوّاً.

 

بتصرّف عن: The Dragons of national unity against the working class