أكبر انكماش للاقتصاد الأمريكي منذ 74 عاماً وفق تقرير حكومي جديد
ذكر تقرير صدر اليوم الخميس 28 كانون الثاني، عن وزارة التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية، أنّ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (إجمالي إنتاجها من السلع والخدمات) قد تباطأ بشكل حاد في الربع الأخير من 2020، بعد التحسن النسبي الذي طرأ عليه خلال الربع الثالث، ولكن الذي جاء بدوره بعد انخفاض قياسي في الربع الثاني بما يقدَّر أنه 33.4% (على مقياس سنوي)، والذي وُصِفَ بأنه «سقوطٌ حرّ».
بقلم: مارتن كروتسينغر ترجمة وإعداد: قاسيون
بالنسبة لعام 2020 مأخوذاً ككل، فقد عانى الاقتصاد الأمريكي من أكبر انكماش له منذ 74 عاماً. إذْ انكمش بنسبة 3.5%، ملقياً بعشرات الملايين من الأمريكيين إلى البطالة.
وبعد أن وقع الاقتصاد الأمريكي في قبضة جائحة الفيروس، نما بمعدل سنوي 4% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2020، وسط معاناة الاقتصادات الرأسمالية من أشد ركود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، متراكباً مع الأزمة الصحية لوباء كورونا.
الضربة التي تلقّاها الاقتصاد الأمريكي أوائل الربيع الماضي، قضت على أطول فترة توسع اقتصادي سجلته الولايات المتحدة في تاريخها، والتي قاربت 11 عاماً. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل سنوي 5% في الربع الأول من 2020. منذ ذلك الحين، أغلقت آلاف الشركات أبوابها، ولا يزال ما يقرب من 10 ملايين شخص عاطلين عن العمل، وتوفي أكثر من 400 ألف أميركي بسبب الفيروس.
وأظهر تقرير الحكومة أن الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل حوالي 70% من الاقتصاد، تباطأ بشكل حاد في الربع الماضي ليقتصر على مكاسب سنوية بنسبة 2.5% فقط بعد أن كان في ارتفاع بنسبة 41% في الربع الثالث.
ومع ذلك، تقلص الإنفاق الحكومي بمعدل 1.2% في الربع الأخير، بعد انخفاض أكبر بنسبة 4.8% في الربع الثالث (من تموز إلى أيلول). بدأت حكومات الولايات والحكومات المحلية في اللجوء إلى تسريح العمال للتعامل مع انخفاض عائدات الضرائب خلال فترة الركود.
كان الانخفاض المقدر في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020 هو الأول من نوعه منذ انخفاض بنسبة 2.5% في عام 2009، عقب أزمة الركود الاقتصادي لعام 2008. كانت تلك أكبر انتكاسة سنوية منذ انكمش الاقتصاد بنسبة 11.6% في عام 1946، عندما تعطل الاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية.
في يوم الخميس، ذكرت الحكومة أن طلبات إعانات البطالة تراجعت الأسبوع الماضي لكنها ظلت عند مستوى تاريخي مرتفع يبلغ 847000، وهو دليل على أن الشركات تواصل إلغاء الوظائف مع استمرار انتشار الوباء. قبل انتشار الفيروس في الولايات المتحدة في آذار 2020، لم تتجاوز الطلبات الأسبوعية لمساعدة العاطلين عن العمل 700 ألف، حتى خلال فترة الركود العظيم.
أخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي علما بالتهديدات الاقتصادية بعد انتهاء اجتماع السياسة الأخير يوم الأربعاء. حافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة القياسي عند مستوى منخفض قياسي بالقرب من الصفر وشدد على أنه سيواصل اتباع سياساته ذات معدلات الفائدة المنخفضة حتى يتم التعافي بشكل جيد. أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن الاقتصاد قد تعثر في الأشهر الأخيرة، مع ضعف التوظيف خاصة في الصناعات المتأثرة بالوباء المستشري، ولا سيما المطاعم والحانات والفنادق وغيرها من الفعاليات التي تحتاج تواصل عام مع الناس وجهاً لوجه.
تباطأ التوظيف في الولايات المتحدة لمدة ستة أشهر متتالية، وألغى أصحاب العمل وظائفهم في أيلول للمرة الأولى منذ نيسان. لقد تعثر سوق العمل حيث أدى الوباء والطقس البارد إلى تثبيط عزيمة الأمريكيين على السفر أو التسوق أو تناول الطعام بالخارج أو زيارة أماكن الترفيه. انخفضت مبيعات التجزئة لمدة ثلاثة أشهر متتالية.
في الشهر الماضي، سنت الحكومة حزمة مساعدات إنقاذ بقيمة 900 مليار دولار، ويضغط الرئيس جو بايدن على المشرعين للمتابعة من خلال الموافقة على خطته البالغة 1.9 تريليون دولار لمزيد من المساعدة الاقتصادية. قوبل اقتراح بايدن بمقاومة من العديد من الجمهوريين الذين أكدوا أن التكلفة مرتفعة للغاية وأن بعض مزاياها في غير محلها.
يحذر العديد من الاقتصاديين من أنه من دون مزيد من الدعم، فإن الاقتصاد يخاطر بالخضوع لركود آخر. وأشاروا إلى أن الكثير من المساعدات للأفراد من حزمة 900 مليار دولار ستنتهي في منتصف آذار.
قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في Moody’s Analytics: «لا يزال الاقتصاد يعاني». «مدى قوة الاقتصاد في وقت لاحق من هذا العام سيعتمد على كيفية تطور الفيروس وفعالية اللقاحات وجهود التخفيف من شدة الوباء».
هذا ولا تزال التوقعات لاقتصاد عام 2021 غير واضحة. وفي أوقات لاحقة من هذا العام سوف يتبين إن كانت الأرقام التي يتوقعها بها بعض المحللين سوف تتحول إلى واقع أم لا. فعلى سبيل المثال توقع زاندي أن «يتوسع الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي قدره 4.4% في الربع الحالي ويحقق معدلات نمو سنوية في وقت لاحق من هذا العام فوق 5%». لكنه حذر من أن توقعاته مشروطة بتشريع المزيد من الإعانات الاقتصادية الفيدرالية، متوقعاً ألّا يحظى بايدن في البداية بموافقة الكونغرس سوى على نصف مبلغ الإعانات الذي طلبه والبالغ 1.9 تريليون دولار. ويقدر زاندي أن حوالي 5 ملايين وظيفة لن تعود أبداً، مما يجبر العاطلين عن العمل في صناعات مثل المطاعم والحانات على العثور على عمل في قطاعات أخرى.
هذا ويعتبر تقرير الحكومة الصادر اليوم الخميس هو الأول من ثلاثة تقديرات حول النمو في الربع الماضي، وقد لا تكون أرقامه نهائية، لأنه سوف يتم تعديل الرقم مرتين في الأسابيع المقبلة.
المصدر: Associated Press