رسم أم تشويه لجدران دمشق القديمة!؟

رسم أم تشويه لجدران دمشق القديمة!؟

أدرجت دمشق القديمة ككل في لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة ‏والفنون كأحد المعالم التراثية للبشرية التي ينبغي الحفاظ عليها كإرث عالمي في العام ‌‏1979، كما أدرجت في لائحة المواقع المهددة بالخطر ضمن اللائحة الأصلية منذ ‏العام 2013 بسبب التهديدات والتدمير المرتبط بحالة الحرب، ولم تتخذ أي اجراءات ‏تصحيحية للوضع السيء ما عدا بعض الترميمات التي طالت واجهة الجامع الأموي. 

‏وتتسابق الدول عادة على تسجيل تراثها الثقافي في هذه اللائحة لتمكين أكبر قدر ‏ممكن من الحماية لهذه المعالم، وإن كان التقصير خلال الحرب قد طال الحفاظ على ‏المدينة القديمة من خلال تهديد البنية العمرانية لها بأشكال متعددة فقد وصل الآن إلى ‏ظواهر خطيرة ينبغي التوقف عندها. هذا وقد طال التدمير عدة مواقع في دمشق ‏القديمة أثناء الحرب منها فسيفساء الجامع الأموي وسوق العصرونية الذي تعرض ‏لحريق كبير والقلعة والمدرسة العادلية وأجزاء من النسيج العمراني المدني بما فيه من ‏منشآت ومنازل تاريخية.‏

وقد توقفت تقارير اليونسكو عند حالة الحفظ السيئة التي تطال مدينة دمشق القديمة ‏وتقنيات الترميم غير الملائمة ،وعدم وجود منطقة حماية، وعدم وجود خطة حماية، ‏ومشاريع "التطوير العمراني" التي تهدد النسيج التاريخي المتميز لدمشق.‏
ويبدو أن مشكلة عدم وجود منطقة حماية أي منطقة تحيط بالمنطقة اللبية للمدينة التي ‏تطالها الإجراءات الأشد، كان مشكلة منذ بداية تجهيز ملف حماية المدينة منذ نهايات ‏السبعينات من القرن الماضي، ولا نغالي القول إن أشرنا إلى دور تجار العقارات ‏والفاسدين مذ ذاك.‏
فالبنية المعمارية لأي مدينة هي استمرار بصري نسيجي لا يمكن أن يتم قطع مشاهده ‏بخط على الخريطة يمثله السور.‏

وليس عمليات تعرية السور التي أجريت إلا جزءاً مدروساً من سياق عملية العزل ‏المتعمد للمدينة داخل السور عن سياقها المشهدي المعماري البصري.‏
وضمن مسيرة تشويهية بصرياً متكاملة في مفرداتها، بدأ التعدي قبل حوالي السنوات ‏العشر بحجة تشجيع حماية البيئة من خلال التدوير بزرع نباتات في عبوات مياه ‏بلاستيكية تم تلوينها بحجة ‏upcycling‏ أي إعادة التدوير بطريقة أرقى، وتوزيعها ‏على جدران المدينة القديمة بطريقة شوهت تلك الجدران التي اعتاد أهلوها على وجود ‏النارنج والياسمين المتدلي عليها دون حاجة إلى عبوات بلاستيكية قبيحة وملوثة. ‏واستنكر ذلك في حينه الكثير من الحريصين على أصالة المدينة القديمة والحفاظ على ‏بنيتها التي أهلتها لتكون مدينة محمية بموجب لائحة اليونسكو للتراث العالمي.‏
لكن محاولات التشويه لا تنتهي وبأغطية عدة تبدأ بالبيئة وتنتهي بالفن.‏

ليست ظاهرة الرسم على الجدران في المدن بجديدة بل هي ظاهرة موجودة تاريخيا ‏وقد كانت تجري بالمعنى التاريخي لتجميل الأبنية والمدن.‏
لكن تشويه جدران المدينة القديمة (حي التيامنة) بحجة التجميل شيء آخر، حيث أعطت ‏محافظة دمشق الأذن للشباب بالرسم بشكل عشوائي على جدران مدينة دمشق ‏القديمة المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي المسجل لدى منظمة اليونسكو، وتنادى ‏الكثير من المهتمون بالآثار والتراث والفن ليستنكروا هذا الفعل.‏

وبررت محافظة دمشق ذلك بأن هذه المنطقة خارج السور، وهذا عذر أقبح من ذنب ‏لأنه يذكرنا بالخطأ الأساسي الناجم عن عدم وجود منطقة حماية والاكتفاء بمنطقة ‏لبية، ويذكرنا بذنب مَن كان السبب فيها من فاسدين يستمرون في الاستناد إلى إرث ‏من سبقهم ومهد لهم من فاسدين.‏
وإن كنا خسرنا العديد من المواقع الأثرية والتاريخية الهامة في سورية خلال هذه ‏الحرب، فهذا دافع قوي للحفاظ على ما تبقى منها بطريقة علمية تحترم الإنسان ‏والمكان في السياق التاريخي الهوياتي البصري الصحيح.‏
إن عدم السماح بمزيد من التشويه وطمس ملامح المدينة القديمة، وعدم السماح بترك ‏الأبنية عرضة للانهيار (الذي يجري بطريقة ممنهجة للأسف) هو جزء من الدفاع عن ‏هويتنا الوطنية.‏

إن الضغط باتجاه ترميم المدينة القديمة بوسائل تحترم تاريخها وهويتها، ولا تستبدل ‏بنيتها السكانية (التي هي أحرص على هويتها الاجتماعية الاقتصادية بالطبع) هو ‏الطريق الصحيح.‏