مفاعلات أمريكا النووية «منتهية الصلاحية» منذ 40 عاماً!
كتب البروفسور كارل غروسمان من جامعة نيويورك مقالاً طويلاً وتفصيلياً حانقاً على القانون الأمريكي الجديد الذي قد يمدد عمر تشغيل مفاعلات الطاقة النووية إلى 100 عام بعد تمديدها عدّة مرات من قبل، متجاوزين العمر الافتراضي لهذه المفاعلات عند بنائها وهو 40 عاماً، الأمر الذي ينذر بوقوع كارثة على حياة الأمريكيين وعلى البيئة العالمية. وأبرز ما جاء في هذا المقال:
بقلم: كارل غروسمان
ترجمة قاسيون
عندما بدأ بناء مفاعلات الطاقة النووية، لم يكن من المصمم لها أن تعمل أكثر من 40 عاماً بسبب النشاط الإشعاعي الذي يقشر الأجزاء المعدنية ويسبب مشاكل في سلامة هياكلها وكبلاتها. على طول العقود الماضية قامت لجنة التشريع النووية في الولايات المتحدة بتمديد تراخيص عمل مفاعلات الطاقة النووية من 40 عام إلى 60 عام، ثمّ إلى 80 عام. والآن يدرسون تمديدها إلى 100 عام، وذلك في الاجتماع الذي سيعقد في 21 كانون الثاني القادم.
«هذا جنون» وفقاً لروبرت ألفارز، المستشار الأكبر الأسبق لقسم الطاقة الأمريكي ولمكتب تحقيق نواب الكونغرس: «ليس هناك من مفاعل في التاريخ استمرّ لهذه الفترة. هذه خطوة يائسة للاستجابة لانهيار البرنامج النووي في هذا البلد وفي بقية العالم».
أصدقاء الصناعة النووية في الحكومة يحاولون بكل ما يملكون البقاء، ومع عدم بناء أيّ مفاعل جديد في الولايات المتحدة وانخفاض عدد المفاعلات الموجودة إلى 94، يسعون لتمديد رخص تشغيل المفاعلات القائمة من أجل إبقاء أرباحهم حيّة.
أعلنت شركة «جورجيا باور» المشتركة في بناء الوحدتين الثالثة والرابعة في مفاعل فوجتل على موقعها الإلكتروني بأنّ كلفة المشروع في 2008 لبناء المفاعلين النووين كانت 14.8 مليار دولار، بينما تشير التقديرات بأنّ كلفة المشروع اليوم 28 مليار دولار. يجب أن ينبه هذا دافعي الضرائب في الولاية، باعتبار أنّ المشروع متأخر عن موعد إنهائه خمس سنوات.
يقول ألفارز: ليست هناك أدلة تجريبية تدعم فكرة قدرة المفاعل النووي على البقاء فاعلاً لمدة قرن. لا يوجد حلّ لمشكلة عمر محطات الطاقة النووية التي تعمل تحت ضغط عالٍ وظروف حرارة مرتفعة وتخضع للإجهاد الإشعاعي. لا يمكن تجاهل حقيقة البلى عبر قانون. الأمر يشبه قيادة سيارة عمرها 100 عام.
وفقاً لبول غونتر، مدير مشروع مراقبة المفاعل في منظمة «ما وراء الطاقة النووية»: لقد ثبت بأنّ بناء مفاعلات نووية جديدة مكلف جداً ومشكوك بنجاحه أكثر من أيّ وقت مضى، ولهذا تحاول شركات تشغيل المفاعلات النووية ولجنة التشريع الهروب من الواقع عبر منح ترخيص لهذه الآلات الخطيرة بطبيعتها لتبقى تعمل لـ100 عام. يثير هذا جميع المشاكل التي تم التعامي عنها دون القيام بحلها من قبل.
يتجاهل مثل هذا العمل تقرير «مختبر الشمال الغربي الوطني» في عام 2017، وهو المختبر الفدرالي الذي تعاقدت معه لجنة التشريع النووي من أجل وضع وثيقة معايير ودليل إرشادي لمعالجة «الهوة المعرفية» في مدى سلامة تجديد تراخيص عمل المفاعلات لفترات إضافية.
نُشر هذا التقرير في كانون الأول 2017 على موقع المختبر وعلى موقع اللجنة الوطنية للطاقة الذرية وعلى موقع قسم الطاقة في مكتب معلومات التكنولوجيا والعلوم الوطنية. لكنّ التقرير اختفى من على هذه المواقع الثلاث، وكما يقول غانتر: لجنة التشريع النووي مسحت التقرير ووضعت مكانه «نسخة معقمة». النسخة التي وضعتها لجنة التشريع النووي هي بالفعل نسخة مجتزأة ومطهرة من كلّ ما يزعج شركات تشغيل المفاعلات النووية أو ما قد يعيق مطالبتها بتمديد الرخص.
لكنّ التقرير الأصلي الذي تمّ محوه محفوظ وهناك نسخ منه. وقد أشار إلى أنّ المختبر يوصي في حال التمديد بوقف عمل المفاعل واستبدال المواد التي انتهى عمرها: المعادن القاعدية، والمواد الملحومة، والكابلات الإلكترونية، والعزل والتغطية، وهياكل المفاعل الداخلية والهياكل الإسمنتية المتعلقة بالسلامة مثل حوض الاحتواء وحوض الوقود المستهلك – لعرضها للتحليلات المختبرية لتحديد مدى انحلالها بسبب الاستخدام. قدم تقرير المختبر «ضمانات منطقية» يجب وجودها قبل منح رخص تمديد التشغيل.
السبب الحقيقي لمحاولة التعتيم على التقرير ولمقاومة الصناعة النووية له هو أنّ الإجراءات المطلوبة مكلفة جداً بالنسبة لهم. فعلى سبيل المثال الكابلات التي يطلب التقرير استبدالها يبلغ طولها 1000 كيلومتر، علاوة على أنّها ليست كابلات ظاهرة بل مخفية ومدفونة داخل المفاعل. إضافة إلى أنّ طلب التحليلات المختبرية للمواد المتنوعة قد يؤدي إلى فرض استبدالها، الأمر الذي يعني الكثير من التكاليف غير المرغوبة من شركات هدفها الربح الأقصى.
في تحقيق استمر لمدة عام على المفاعلات التي تم منحها رخص تمديد لـ60 و80 عاماً، نشر جيف دون في 2011 مقالاً كتب فيه: المشرعون الذين تخطوا حدّ الـ40 عام فعلوا ذلك لأسباب اقتصادية فقط. لكنّ المهندسين الذين بنوا المفاعل كانوا واضحين بقولهم: «المفاعلات بنيت لتبقى 40 عاماً فقط».
إنّه قانون خطير، والهدف الوحيد منه ضمان حصول الشركات المشغلة على الربح.
بتصرّف عن: Inviting Nuclear Disaster