مرة أخرى... أمريكا والكيان الصهيوني... معزولان ضمن الأمم المتحدة
تتزايد علامات العزلة الأمريكية باستمرار، وتصبح أكثر تكراراً، وتمتد إلى المزيد من المنصات على المسرح الدولي. إن مظاهر هذه العزلة آخذة في التصاعد محلياً أو من حيث العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، سواء على الصعيد الثنائي مع قائمة متنامية من الدول أو ضمن الهيئات والمنظمات الدولية.
لا يكاد يمر أي أسبوع دون أن تتصدر الولايات المتحدة الأخبار بطريقة تعكس موقفاً عدائياً من بقية العالم، بما في ذلك «الأصدقاء» أو «الحلفاء» التاريخيون. أحد المنتديات التي يصعب فيها تفويت هذا هو الأمم المتحدة، مع الكثير من الأمثلة حيث تجد الولايات المتحدة نفسها وحيدة ضد الجميع. كذلك الأمر حتى في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تكرر خلال العام الماضي أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار صوّت لمصلحته الجميع أو اقترحت قراراً لم يحظ بتأييد أي دولة أخرى.
يوم الأربعاء، 30 كانون الأول، صوتت الولايات المتحدة وحدها مع صديقها الصهيوني، "إسرائيل"، في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إقرار ميزانية الأمم المتحدة لعام 2021، بأغلبية 151 صوتاً وامتناع واحد عن التصويت. خطوة ليس لها أي تأثير على الإطلاق سوى أن تكون بمثابة دليل إضافي بوضوح شديد على مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي. وتجدر الإشارة إلى أن السودان امتنع عن التصويت - وهو أمر لا يمر دون أن يلاحظه أحد في سياق موجة التطبيع التي بدأت في المنطقة ووعود الولايات المتحدة بإخراج السودان من قائمة الدول المصنفة على أنها راعية للإرهاب.
صوتت الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضد الميزانية بزعم أنها تكرس معاداة السامية والتحيز ضد «إسرائيل»، لأنها تتضمن تمويلاً لمتابعة مقررات مؤتمر ديربان في الذكرى العشرين لتأسيسه. للتذكير، عقد مؤتمر ديربان أو المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية تحت رعاية الأمم المتحدة في عام 2001 في ديربان، جنوب أفريقيا. وكان من بين الموضوعات التي تناولها المؤتمر القضية الفلسطينية، وربطت مسودة وثيقة المؤتمر الصهيونية بالعنصرية. أثار هذا اعتراضات حادة من الثنائي نفسه - الولايات المتحدة و"إسرائيل" - وكلاهما انسحب من المؤتمر، على الرغم من إزالة النص الذي اعترضا عليه من الوثيقة النهائية للمؤتمر.
هذه الأنواع من الحركات الاستعراضية، التي لا معنى لها فيما يتعلق بالقضية المطروحة، تخبرنا تماماً عن المكان الذي تقف فيه الولايات المتحدة فيما يتعلق ببقية العالم، الذي يقع على جانب واحد من الوادي الذي يتعمق باستمرار ويتسع، مع انخفاض حاد في عدد الحلفاء.
ومع تزايد هذه العزلة بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية، سارع البعض إلى نسب المسألة إلى ترامب وشخصيته المتقلبة كما انعكست في السياسات التي تبناها خلال فترة رئاسته. ومع ذلك، فإن المسح السريع للسياسات والممارسات الأمريكية لعقود، وخاصة منذ بداية هذا القرن، يكشف عن الاتجاه الذي تبنته الولايات المتحدة ككل، بغض النظر عمن هو في البيت الأبيض أو من هي الأغلبية في الكونجرس. والجدير بالذكر أن هذا المسار الذي تسير فيه الولايات المتحدة بسرعة، هو طريق ذو اتجاه واحد، والطريقة الوحيدة أمام الولايات المتحدة للخروج منه تعني تغييراً جذرياً في السياسات التي شكلت الولايات المتحدة لعقود، أو حتى قرن.
هذا شيء نعتقد أننا سنبدأ في رؤية ملامحه الأولى له، أولاً على نطاق صغير، ولكن بعد ذلك بشكل متزايد، عندما تصل عزلة الولايات المتحدة عن العالم إلى نقطة لم يعد من الممكن تحملها من حيث آثارها المحلية. في كلتا الحالتين، ستفضح الولايات المتحدة أكثر فأكثر طبيعتها الجوهرية كناهب دولي، للحلفاء والأعداء على حد سواء، وخاصة اتجاه أوروبا، التي تتخذ مساراً مختلفاً عن الولايات المتحدة في التعامل مع الدول المصنفة في قائمة "الأعداء".
يحدث هذا بالفعل، في أمثلة مثل الاتفاقية الشاملة الأخيرة بشأن الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، بينما تقوم الولايات المتحدة بشطب الشركات الصينية من البورصة وتحظر التعامل معها. مثال آخر هو خطة العمل الشاملة المشتركة، والمعروفة أيضاً باسم الصفقة النووية الإيرانية، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة وحاولت لاحقاً اقتراح قرار من مجلس الأمن الدولي لتمديد حظر الأسلحة على إيران، وكان الرد عليها رفضاً مدوياً من قبل 13 من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن.
بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة في هذه الحالات، فإنها سوف تتعرض للإذلال.
المسار الأول هو الاستمرار في الوقوف وحيدة في الزاوية مع عدد قليل جداً من الحلفاء الذين لا يتمتعون بثقل اقتصادي أو سياسي، الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية على الولايات المتحدة على كلا الجبهتين، في حين أن أولئك الذين تعلنهم كأعداء يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون "بركات" منها ودون "ختم الموافقة".
المسار الثاني هو التراجع عن مواقفها والانضمام إلى بقية العالم، مما يعني ضربة كبيرة أخرى لـ "تفوقها" على المسرح العالمي. في كلتا الحالتين، فإن عملية خلع السلطة الأمريكية هي عملية جارية بشكل لا رجعة فيه، والشيء الوحيد الذي قد تتمكن الولايات المتحدة من فعله هو إبطاء تلك العملية، ولكن ليس إيقافها أو عكسها.